بين ركام غزة، لا تنطفئ الأحلام فقط، بل تحترق الأسماء الصغيرة التي كانت تستعد لتغيير العالم.
الطفل مجد محمد أبو حبيب ذو الأحد عشر عامًا، لم يكن يلهو مثل أقرانه، بل كان يصنع ألعابه بيديه، يبتكر، ويحلم، ويخطط لمستقبلٍ يسنده العلم، لكن الحرب كانت أسرع من حلمه.

في طريق عودته من المدرسة بخان يونس، التقط بقايا موتٍ تركتها حربٌ سابقة، فانفجر اللغم في الجسد الصغير الذي كان يحلم ببناء وطنه، ليرقد مجد اليوم في مستشفى ناصر، محاطًا بأنين الأجهزة وقلق أمٍ تنتظر معجزة أو إذنًا بالسفر، بينما تتباطأ إجراءات الإجلاء كأنها تراقب نزيف الوقت.
عقله يسبق عمره منذ ولادته
«لم يكن ابني البكر، مجد، طفلاً عاديًا أبدًا».. هكذا تبدأ السيدة فاطمة أبو حجر حديثها لـ«جسور» عن صغيرها (11عاما).
«عقله يسبق عمره منذ ولادته. لا يحب اللعب مثل بقية الأطفال، بل كان يمسك بالشاكوش ويحاول أن يصنع ألعابه بنفسه من بطارية ومروحة، وكان دائمًا يرى نفسه مبتكرًا، ويقول عن نفسه: أنا المهندس مجد».

تحكي السيدة فاطمة كيف حاولت أن تصقل موهبة ابنها: «كنت مهتمة به جدًا، أبعثه لدورات وأعزز شخصيته المبدعة، وكان يتابع برامج مثل (سام وسوزي) على يوتيوب التي تعلّم صناعة أشياء معقدة، وكنت أجلب له أي شيء يحتاجه لاختراعاته».
شخصيته جادة ولديه إحساس بالمسؤولية
لكن الإبداع لم يكن السمة الوحيدة لمجد، فقد كان يحمل مسؤولية تفوق عمره. تقول والدته: «شخصيته جادة، وكان لديه إحساس بالمسؤولية تجاهنا كعائلة. منذ كان عمره خمس سنوات، لم يكن يطلب شيئًا يعرف أننا لا نستطيع توفيره، ولم يحب أن يثقل علينا بالمصاريف».

وحين اندلعت الحرب وانقلبت حياة الأسرة رأسًا على عقب، ظل شغف مجد بالعلم حيًا، تقول السيدة فاطمة: «كنت أجلب له المواد التعليمية وأدرّسه في البيت، كان يعشق العلوم والرياضيات، ومن شدة حبه للعلم، كان يريد أن يدرس الكتاب كله مرة واحدة».
رحلة النزوح من رفح إلى خان يونس
حتى بعد نزوحهم من رفح إلى خان يونس، لم يتخلَّ مجد عن حلمه: «سجلته في مدرسة تابعة لليونيسف، وكان سعيدًا بعودته إلى مقاعد الدراسة في صف حقيقي، لا خلف شاشة إلكترونية».

«وفي يومٍ مأساوي، كان المهندس مجد عائدًا من مدرسته».. تروي والدته بصوتٍ مرتجف: «وهو مروح، وقف يلعب مع أصحابه، كان يلعب وفجأة حصل الانفجار».

لم يكن انفجارًا عابرًا، بل كان «جسمًا مشبوهًا من مخلفات الحرب” في منطقة غرب النمساوي، قرب المقابر التي شهدت عمليات سابقة». «الانفجار أدى إلى حروق كبيرة في جسمه بنسبة ٤٠٪”».. تقول فاطمة بصوتٍ يختنق «هو الآن في العناية المركزة بمستشفى ناصر، ووضعه حرج وخطير».
في انتظار السفر والعلاج بالخارج
يرقد مجد اليوم بين الحياة والموت، منتظرًا ليس فقط الشفاء، بل فرصة للنجاة: «لقد أجرى عملية غيار، وننتظر التحاليل، ومن المتوقع أن يحتاج إلى عملية ترقيع جلد بعد بضعة أيام».

وتختتم السيدة فاطمة قصتها بنداءٍ يملؤه الأمل والقلق: «نحن ننتظر الإجلاء والسفر، التحويلة جاهزة وحصلنا على النموذج الأول، لكننا بانتظار موافقة اليهود والتنسيق مع الدولة المستضيفة. هذا الأمر يأخذ وقتًا ويحتاج (زقة) وللأسف… ليس لدينا واسطة».
منشور الصحفي عمرو طبش
وكان الصحفي عمرو طبش أول من نوه عن حالة مجد من خلال صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بمنشور قال فيه إن الطفل مجد أبو حبيب (11 عامًا) أصيب بحروق خطيرة تغطي 35% من جسده بعد انفجار جسم مشبوه من مخلفات الجيش الإسرائيلي في خان يونس، حيث أنه يعاني من حروق عميقة من الدرجة الثالثة في الجزء الأيمن من جسده، وحروق من الدرجة الثانية في وجهه شوهت ملامحه، ويرافقه ألم يومي شديد.

وأشار عمرو إلى وضعه الصحي الحرج جدًا، موضحا أن الأطباء حذروا من تسمم الدم في أي لحظة بسبب الحروق العميقة، ما يهدد حياته بالخطر، وأوصوا بضرورة تحويله للعلاج في الخارج بشكل عاجل لعدم توفر الإمكانيات الجراحية والتجميلية المناسبة في غزة.

وناشد الجميع قائلا: «أنقذوا حياة مجد قبل فوات الأوان، فهو بحاجة للسفر فورًا لإنقاذه من خطر الموت المفاجئ».


.png)


















































