مقاطع فيديو «عمر وهنا» تكشف دور الإعلام الرقمي في دعم مرضى التوحد

مقاطع فيديو «عمر وهنا» تكشف دور الإعلام الرقمي في دعم مرضى التوحد

المحرر: محمود الغول - مصر
عمر وهنا نموذج للدعم الأسري في حالات التوحد

في صباح هادئ من أيام الأسبوع، التقطت كاميرا هاتف محمول لحظة بسيطة عبارة عن فنجان قهوة طازج، يدان رقيقتان تمسكان به، وضحكة عفوية تخرج من شاب يبدو أن العالم حوله أبطأ بكثير مما هو طبيعي.. هذا المشهد الذي بدا في ظاهره بسيطا، تحول خلال ساعات إلى مقطع انتشر على منصات التواصل، وفتح بابا واسعا من النقاش حول معنى الرعاية والتعايش مع اضطراب طيف التوحد.

القصة هنا ليست عن فيديو واحد فحسب، بل عن رحلة تحول مشاعر خاصة داخل أسرة إلى ظاهرة عامة أثرت في مئات الآلاف وربما ملايين المتابعين .. إنها قصة الشاب المصري «عمر» وشقيقته «هنا».

لم تبدأ القصة بخطة واعية للتوعية، تقول هنا في أحد مقاطعها: «أنا بس عايزة العالم يشوف أخويا زي ما هو، مش كحالة، لا كإنسان له اهتماماته وحبه للحاجات البسيطة»، عفوية التسجيل وقرب اللقطة جعلا المشاهد يشعر بأنه داخل المنزل ذاته، يشاركهما فنجان القهوة، ويعي تماما أن ما يعرض ليس أداء مدروسا بل حياة يومية حقيقية، وهذا الانطباع البسيط هو الذي حول المشاهد من متفرج إلى شاهد على تجربة إنسانية ومن ثم إلى متعاطف وداعم.

عمر وهنا نموذج للدعم الأسري في حالات التوحد
عمر وهنا نموذج للدعم الأسري في حالات التوحد

 

التفاعل من الشاشات إلى الشوارع

انتشار مقاطع هنا وعمر لم يتوقف عند حدود الإعجاب والتعليق فقد تحول إلى مبادرات محلية، إذ روى متابعون أن مقهى في الحي أطلق مشروبا جديدا أطلق عليه اسم «طريقة عمر» تكريما لتفاصيل طلبه الفريدة، بينما بدأت صفحات مجتمعية صغيرة تنشر نصائح للأسر حول كيفية إشراك ذوي التوحد في أنشطة بسيطة تعزز ثقتهم بأنفسهم، وهذه التحولات الرمزية والعملية تكشف كيف يمكن لمشهد بسيط أن يخلق رابطا بين العالم الافتراضي والشارع الواقعي.

لكن.. لماذا أثرت هذه المقاطع أكثر من الحملات التقليدية؟

الإجابة تكمن في اللغة الإنسانية التي تستخدمها هنا لغة لا تحتاج لترجمة طبية أو مصطلحات معقدة، بل تشتغل على أبسط القواسم المشتركة بين الناس مثل الحنان والضحك ووالروتين العائلي، بينما تبقى الحملات التوعوية الرسمية في كثير من الأحيان محاطة بلغة إحصاءات وتقارير، تنجح المقاطع الشخصية في إحداث احتكاك عاطفي مباشر، والمشاهد لا يتلقى معلومة فحسب بل يعيش لحظة ويشعر بها وهذه الخبرة العاطفية تولد تعاطفا يصعب أن تنتجه مجرد بيانات.

ومع كل هذا التعاطف تظهر الجوانب المظلمة للمنصات الرقمية، حيث خرجت تحديات ومساحات للسخرية تستهدف سلوكيات مرتبطة بالتوحد، وهو ما يذكرنا أن نفس المنصة التي قد ترفع صوتا إنسانيا قد تصبح أيضا مجالا للإساءة.

في مقاطع سلبية تسخر بعض الحسابات من حركات أو طقوس مرتبطة بالتوحد، وتكرر أنماطا تقلل من قيمة الشخص وترسخ وصما جديدا، وهذا التناقض يضع الأسر أمام معضلة أخلاقية وهي إلى أي حد نعرض حياة أحبائنا على الملأ مقابل الفائدة التي قد تعود عليهم وعلى الآخرين؟

@hanaandomarz

♬ original sound – hana & omar

الخصوصية والقدرة على الموافقة

خلافا للبالغين القادرين على اتخاذ قراراتهم الرقمية، يثير نشر حياة شخص من ذوي التوحد تساؤلات حول الموافقة والإدراك وقرارات نشر محتوى كهذا ينبغي أن تتخذ بعناية، مع وضع حدود واضحة للأماكن واللحظات التي تنشر فيها لقطات الحياة الخاصة، وتوفير آليات لحماية الشخص من التعليقات المسيئة أو الاستغلال الإعلامي. هنا بحسب ما تبدو مقاطعها تراعي هذا الجانب إذ تختار إظهار لحظات تمثل احتراما لكرامة شقيقها، وتعمل على بناء سرد يبرز إنسانيته قبل أي وصف تشخيصي.

لا يمكن الحديث عن ظاهرة «عمر وهنا» دون التأكيد على الدور المحوري للأشقاء، هنا لم تكن مجرد مخرجة بسيطة لمقاطع الفيديو كانت وسيطا يوميا بين شقيقها والعالم عبر أساليب بسيطة مثل التشجيع والصبر وإشراكه في أنشطة قريبة من اهتماماته بنت علاقة تكافلية تكسب كل منهما شيئا حيث عمر يكتسب ثقة وتجارب جديدة، وهنا تكتسب قدرة على التواصل والتفهم بشكل عملي.

خبراء التوحد المتخصصون يؤكدون أن وجود شخص موثوق يمكن أن يجعل الفارق في اندماج الفرد، لكن الأهم هو أن يكون هذا الدعم قائما على احترام الذات والكرامة.

قصة بسيطة مثل قصة عمر وهنا قادرة على هز مجموعة من الثوابت الثقافية فهي تعيد تعريف التوحد من حالة يجب أن تختزل في «عجز» إلى تجربة إنسانية متعددة الأبعاد، وهذا لا يعني تجاهل الصعوبات أو الحاجة إلى خدمات طبية وتربوية متخصصة، لكنه يعني إدراك أن من يعيشون مع التوحد لديهم اهتمامات ومشاعر وقابليات لا تقل أهمية عن احتياجاتهم العلاجية.

قهوة على طريقة عمر
قهوة على طريقة عمر

ومع شهرة هذه المقاطع ارتفعت أصوات تطالب بمزيد من الحماية من منصات التواصل مثل أدوات فعالة للإبلاغ فرض رقابة على المحتوى المسيء وتطوير سياسات تراعي الفئات الضعيفة، من جهة أخرى دعت منظمات مجتمع مدني إلى استثمار هذا النوع من الحكايات لصالح حملات توعوية تمتاز بالواقعية والإنسانية، وتحترم خصوصية وأصوات أصحاب التجارب أنفسهم.

نقاش أخلاقي مؤجل

تبقى مسألة نشر لحياة أشخاص ضعفاء أخلاقيا شائكة، وتبرز أسئلة مثل هل تستحق الفائدة المجتمعية المخاطرة بخصوصية الفرد؟ الجواب ليس ثنائيا ففي حالات عندما تختار العائلات بعناية وتضع حدودا واضحة، يمكن أن تتحول المشاركة إلى أداة تمكين وتغيير، أما عندما تتحول الحياة الشخصية إلى مادة للتجارة الرقمية أو مادة للرأسمال الرمزي (اللايكات والمشاهدات)، فالعواقب قد تكون قاسية.

بينما يستمر متابعو هنا في انتظار كل فيديو جديد، يبقى سؤال المدى الذي ستصل إليه هذه الظاهرة مفتوحا، هل ستتحول إلى نموذج يحتذى به لتشجيع المشاركة المسؤولة للعائلات في الساحة الرقمية؟ أم ستبقى استثناء إنسانيا نادر الحدوث؟ على الأقل حتى الآن، قدمت قصة عمر وهنا دليلا عمليا على أن التغيير الممكن يبدأ بلحظة بسيطة: فنجان قهوة، ضحكة، وأخ يصر على أن يظهر أخاه للعالم كما هو — ليس كقضية فقط بل كإنسان كامل.

المقالة السابقة
الذكاء الاصطناعي في خدمة الإعاقة… أبرز مخرجات «حوارات» بالبحرين
المقالة التالية
«رئيس منظمة الاحتواء»: مؤتمر الشارقة يمنح ذوي الإعاقة مساحة للتعبير

وسوم

أصحاب الهمم (46) أمثال الحويلة (394) إعلان عمان برلين (397) اتفاقية الإعاقة (545) الإعاقة (115) الاستدامة (957) التحالف الدولي للإعاقة (932) التشريعات الوطنية (752) التعاون العربي (423) التعليم (63) التعليم الدامج (59) التمكين الاقتصادي (69) التنمية الاجتماعية (953) التنمية المستدامة. (63) التوظيف (50) التوظيف الدامج (702) الدمج الاجتماعي (621) الدمج المجتمعي (142) الذكاء الاصطناعي (73) العدالة الاجتماعية (59) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (425) الكويت (69) المجتمع المدني (941) الولايات المتحدة (53) تكافؤ الفرص (937) تمكين (69) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (508) حقوق الإنسان (62) حقوق ذوي الإعاقة (80) دليل الكويت للإعاقة 2025 (370) ذوو الإعاقة (134) ذوو الاحتياجات الخاصة. (910) ذوي الإعاقة (472) ذوي الهمم (46) ريادة الأعمال (383) سياسات الدمج (924) شركاء لتوظيفهم (378) قمة الدوحة 2025 (571) كود البناء (372) لغة الإشارة (53) مؤتمر الأمم المتحدة (333) مجتمع شامل (931) مدرب لغة الإشارة (582) مصر (53) منظمة الصحة العالمية (602)