من قنا إلى سوهاج.. رحلة فتاتين كفيفتين تحلمان بتغيير نظرة المجتمع لذوي الإعاقة

من قنا إلى سوهاج.. رحلة فتاتين كفيفتين تحلمان بتغيير نظرة المجتمع لذوي الإعاقة

المحرر: عبد الصبور بدر - مصر

فتاتان من ذوي الإعاقة البصرية، الأولى: حسناء ممدوح (27 عاماً) تعيش في أقصى صعيد مصر بقرية القلمينا مركز الوقف محافظة قنا، والثانية سارة محمود (30 عاماً) من قرية نجع مازن غرب، مركز البلينا، محافظة سوهاج.

جمعتهما الدراسة في كلية الدراسات الإسلامية للبنات بسوهاج، وقربهما حلم واحد هو مساعدة ذوي الإعاقة وتغيير نظرة المجتمع السلبية تجاههم.

تحديات ونظرات قاسية

تقول حسناء: «كل واحدة فينا عاشت في مجتمع عانت كثيراً من نظرات التنمر، أو طريقة التعامل المؤلمة التي تتمثل في الشفقة والعطف أو حتى الخوف من ملامح الوجه».

وتضيف: «قابلنا العديد من الكفيفات وأولياء أمورهم، وسمعنا قصصهم المؤثرة، وقتها أدركنا أن جزءاً كبيراً من التحديات التي تقابلنا في حياتنا كذوي إعاقة ناتجة عن نقص الوعي وعدم تقديم الدعم اللازم لأسرنا».

«برة الصندوق»

تتابع حسناء: «من هنا فكرنا في عمل مبادرات لتوعية وتأهيل ذوي الهمم وأسرهم، وكانت البداية بمبادرة (برة الصندوق) التي استضفنا فيها أطباء متخصصين في مجال الصحة النفسية والتربية الخاصة للتوعية الأهل بكيفية التعامل بشكل صحيح مع أبنائهم عن طريق لقاءات أونلاين بالتعاون مع مركز رؤية للإعاقة البصرية. كما سجلنا سلسلة فيديوهات توعوية على يوتيوب وفيسبوك بحيث تكون متاحة لمن فاتته لقاءات التوعية، وذلك من خلال قناتنا على يوتيوب وصفحة مركز رؤية، وفور عرضها تفاعل معنا أعداد كبيرة ما جعلنا نشعر بسعادة لا توصف لأننا استطعنا ولو بقدر بسيط نشر الوعي تجاه أصحاب الإعاقات».

حسناء وسارة

«بصمات» ونشأة الأكاديمية

نجاح التجربة دفع الفتاتين لإطلاق مبادرة جديدة أطلقا عليها «بصمات» استضافا خلالها شخصيات ناجحة من ذوي الإعاقة البصرية بالصعيد، خاصة الفتيات، لأنهن يواجهن تحديات ضخمة بسبب العادات والتقاليد التي تقيد حركتهن وتقلل فرصهن في التعليم والتدريب. ومن هنا قررتا تأسيس «أكاديمية بصمة» لحل مشكلة الكثير من بنات الصعيد المقيدة حريتهن. المؤسسة توفر ورش أونلاين في العديد من المجالات وتتيح فرصة التعلم وتطوير المهارات لتلبية احتياجات سوق العمل. وساعدهما كثيراً سامح سعد المدير الإقليمي لمركز رؤية للإعاقة البصرية بصعيد مصر، فهو داعم قوي لهما منذ أول يوم ويسير معهما خطوة بخطوة يرشد وينصح ولا يبخل عليهما بأي معلومة.

البداية من القرآن الكريم

تقول حسناء: «بدأت رحلتنا في تأسيس بصمة بعد تخرجنا، عملنا مجموعة على تطبيق واتساب، وبدأنا بتحفيظ القرآن الكريم وتعليم فنون التجويد والقاعدة النورانية مع البنات، بحكم أن صديقتي سارة حصلت على إجازة في تحفيظ القرآن وتدريس علومه».

وأضافت: «مع زيادة الطلب والإقبال على الدورات، فكرنا في إضافة تدريبات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وتأهيل البنات لسوق العمل، خاصة ذوي الإعاقة، وهو حلمنا من البداية. فأنشأنا صفحة على فيسبوك باسم أكاديمية بصمة، وبدأنا نتواصل مع مدربين في مجالات مختلفة ونتعاقد معهم، وننشر إعلانات عن الورش على الصفحة. وسهل علينا الأمر أنني مدرب كمبيوتر وأتقن التكنولوجيا وخصوصاً الهندسة الصوتية والفويس أوفر، فأقوم بضبط صوت الإعلان، بينما سامح سعد ينفذ تصميمات الفيديوهات والصفحة».

تحديات وثقة مفقودة

وتابعت: «فكرة المؤسسة لم تكن سهلة إطلاقاً، فقد قابلتنا الكثير من التحديات، منها خوفنا من الناس التي تتعامل معنا سواء مدربين أو متدربين، لأن معرفة أننا من ذوي الإعاقات قد تؤثر على ثقتهم في المكان، لكن الله وفقنا وحققنا نجاحاً كبيراً. وحالياً تقدم المؤسسة مجموعة متنوعة من الدورات في مجالات كثيرة، منها التكنولوجيا والتصميم والمونتاج وتطوير المهارات المهنية وتعلم اللغات ومجال الإعاقة، بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم وتجويده وشرح الأحكام والعلوم الشرعية، إلى جانب تدريبات مجانية لمنح الفرصة لغير المقتدرات. وخلال الفترة الماضية حصل أكثر من 800 فرد على تدريبات في المؤسسة، الغالبية منهم بنات من الصعيد».

حلم التوسع والاعتراف الرسمي

ومن جانبها تقول سارة: «نتمنى كل بنت في كل بيت صعيدي تاخد فرصتها وحقها في التعليم والتدريب، ولو التقاليد والعادات هتمنعها التكنولوجيا هي دراعها. حلمنا الصغير بدأ يتحقق وعايزين نحقق الحلم الكبير، أن نتواجد بشكل قانوني ونمتلك منصة تعليمية معتمدة بشكل رسمي للبنات في كل الدول العربية، نقدم من خلالها تدريبات أونلاين ويكون محتواها مناسباً لسوق العمل في وقتنا الحالي، ونحلم أن توفر لنا أي جهة مقر».

مبادرات جديدة وطموحات أوسع

وتضيف: «نحن حالياً نجهز لمبادرة لتعليم البرمجة للشباب والأطفال ذوي الإعاقة الحركية والسمعية، خاصة في الصعيد، كما نفكر في إطلاق مبادرة جديدة تحمل اسم «عطاء»، التي تهدف إلى إعادة إحياء مفهوم الصداقة الحقيقي. تمنح المبادرة فرصة الحصول على كورس بعشرة جنيهات لأي شاب بشرط أن يشترك هو وصديقه. ونتمنى أن تدعمنا وزارة الشباب والرياضة لنتمكن من تحقيق ما نخطط له على أكمل وجه داخل الأندية ومراكز الشباب».

من هي حسناء؟

حاصلة على ليسانس في أصول الدين من جامعة الأزهر، ودبلومة في التربية، تفوقت دراسياً بالمركز الأول في الابتدائية والثاني في الإعدادية والثانوية. واجهت تحديات كبيرة بسبب إعاقتها البصرية، حيث خضعت للعديد من العمليات الجراحية والعلاجات منذ طفولتها. وبفضل دعم أسرتها، خاصة والدتها التي كانت تذاكر لها وتسجل الدروس، استطاعت مواصلة تعليمها.

حسناء

في الجامعة، تغلبت على صعوبة المذاكرة والامتحانات من خلال تعلم الكمبيوتر بمساعدة مركز «رؤية» لذوي الإعاقة البصرية، مما مكنها من أداء الامتحانات بشكل مستقل. تعمل حالياً كمدربة كمبيوتر لذوي الإعاقة البصرية، وتواصل تطوير مهاراتها ومساعدة الآخرين.

من هي سارة؟

باحثة ماجستير في الصحة النفسية بجامعة سوهاج. وُلدت في أسرة بسيطة وبدأت مشاكلها البصرية في الصف الرابع الابتدائي، لتتطور إلى إعاقة بصرية بسبب خطأ طبي في العلاج. رغم التحديات، تفوقت دراسياً حيث حصلت على المركز الأول في الابتدائية والسادسة على الجمهورية في الإعدادية والرابعة على الجمهورية في الثانوية الأزهرية.

سارة

واجهت صعوبات كبيرة في الجامعة بسبب عدم توفر مرافق لذوي الإعاقة، وأسست مع زملائها مركز «نور» لتسهيل التعلم للطالبات ذوات الإعاقة. بعد التخرج، حصلت على دبلومتين تربوية ومهنية وتأهلت للنهائي في برنامج «عباقرة قادرون باختلاف». كافحت لتسجيل الماجستير وحصلت على الموافقة بعد عام، لتبدأ رحلتها البحثية بنجاح. تعمل معلمة قرآن كريم، وتقود مبادرات لتوعية المجتمع عن ذوي الإعاقة.

المقالة السابقة
 فضيلة المعيني تكتب: أصحاب الهمم في دولة الإمارات.. تمكينٌ لا تمييز
المقالة التالية
رئيسة وزراء دلهي تطلق برنامج دعم مالي خاص للأشخاص ذوي الإعاقة

وسوم

أصحاب الهمم (46) أمثال الحويلة (394) إعلان عمان برلين (396) اتفاقية الإعاقة (544) الإعاقة (112) الاستدامة (956) التحالف الدولي للإعاقة (931) التشريعات الوطنية (751) التعاون العربي (422) التعليم (61) التعليم الدامج (58) التمكين الاقتصادي (68) التنمية الاجتماعية (952) التنمية المستدامة. (62) التوظيف (48) التوظيف الدامج (702) الدمج الاجتماعي (620) الدمج المجتمعي (135) الذكاء الاصطناعي (71) العدالة الاجتماعية (57) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (424) الكويت (69) المجتمع المدني (941) الولايات المتحدة (53) تكافؤ الفرص (937) تمكين (69) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (507) حقوق الإنسان (62) حقوق ذوي الإعاقة (79) دليل الكويت للإعاقة 2025 (370) ذوو الإعاقة (131) ذوو الاحتياجات الخاصة. (910) ذوي الإعاقة (471) ذوي الهمم (46) ريادة الأعمال (383) سياسات الدمج (924) شركاء لتوظيفهم (378) قمة الدوحة 2025 (571) كود البناء (372) لغة الإشارة (52) مؤتمر الأمم المتحدة (333) مجتمع شامل (931) مدرب لغة الإشارة (582) مصر (53) منظمة الصحة العالمية (602)