في التاريخ الإسلامي، تتصدر سيرة القائد صلاح الدين الأيوبي قائمة الرموز الملهمة في القوة والعدل والقيادة، لكونه محرر القدس الشريف، وموحد الأمة الإسلامية، في زمن انتشرت فيه الفتن والانقسامات بين المسلمين.
لكن قد لا يعرف البعض أن القائد الجسور صلاح الدين ربما عاش حياته مصابًا بإعاقة بدنية مزمنة، تحدّث عنها المؤرخون بشكل غير مباشر، لكنها اليوم تلفت انتباه الباحثين في تاريخ الطب الإسلامي.
هل كان صلاح الدين يعاني من عرج في ساقه؟
رغم عدم وجود نصوص تاريخية تؤكد إصابته بـ”العرج”، فإن بعض الروايات القديمة، خاصة التي كتبها المؤرخ بهاء الدين ابن شداد، وهو أحد المقربين منه، تشير إلى أن صلاح الدين كان في سنواته الأخيرة يعاني من ضعف واضح في الحركة، وألم دائم في المفاصل والعمود الفقري.
وقد فسّر بعض الباحثين المعاصرين هذه الإشارات بأنها ربما كانت نتيجة لمرض روماتيزمي أثر على مفاصله، وهو ما قد يكون سببًا في إصابته بعرج خفيف أو صعوبة في المشي.
وتتحدث بعض المصادر أن صلاح الدين كان أحيانًا يُنقل على (نقالة) عند اشتداد المرض، وأنه لم يكن دومًا قادرًا على ركوب الخيل أو الوقوف لفترات طويلة، خاصة في سنواته الأخيرة، ومع ذلك، لم يتوقف يومًا عن أداء واجباته القيادية، وكان حاضرًا في الاجتماعات والخطط العسكرية، ما يدل على عزيمة نادرة.
مرض مزمن أم إعاقة مكتسبة؟
يشير بعض أطباء التاريخ الحديث إلى احتمال إصابة صلاح الدين بـالتهاب المفاصل الروماتويدي، أو أحد أمراض المناعة الذاتية مثل الذئبة الحمراء، والتي كانت ستسبب له تعبًا شديدًا، وآلامًا عضلية ومفصلية مستمرة، وربما تشوهًا بسيطًا في مفاصل الساق أو القدم، وهو ما قد يؤدي إلى العرج.
لكن لأن الطب آنذاك لم يكن دقيقًا في التشخيص، فإن كل ما يمكن الاعتماد عليه هو الوصف السلوكي والجسدي الذي سجله المؤرخون.

من الإعاقة تولد العزيمة
بعيدًا عن التفاصيل الطبية، فإن الأهم هو أن إعاقة صلاح الدين الجسدية، مهما كان نوعها أو درجتها، لم تمنعه من أن يكون رمزًا للنصر والعدل والفروسية والتحدى، بل على العكس، نجد في سيرته اليومية دلالات واضحة على قوة الإرادة والإصرار على القيادة رغم الألم الجسدي.
كان يتحرك بين الجيوش، يقود المعارك، ويتابع أحوال الرعية، وهو يعاني من نوبات متكررة من التعب، أحيانًا تمنعه من النوم أو الوقوف، ومع ذلك، لم يعرف التراجع أو الاستسلام.
نموذج لذوي الإعاقة في القيادة
إن الحديث عن إعاقة صلاح الدين ليس تقليلًا من شأنه، بل هو تأكيد على أن القادة الحقيقيين لا يُقاسون بسلامة أجسادهم، بل بعلو همّتهم، وإن كان عانى من عرج أو ضعف في الحركة، فقد كان أكثر استقامة في الموقف والخلق، وأكثر ثباتًا في الأزمات من كثيرين ممن تمتعوا بصحة تامة.