من محنتها جمعت خيوط أمل لونتها كما تريد، وغزلت منها قصة نجاح عابرة للصعاب والتحديات، من فوق كرسي متحرك، كانت عزيمتها تسبقها في كل جولة جديدة من التحدى.
هالة علي شابة مصرية احترفت غزل الصعاب وتطويعها، قبل أن تحترف غزل الصوف والقطن، لصناعة منتجات يديوية بديعة، واستطاعت أن تؤسس مشروعها الخاص، فهى صاحبة “جاليري هالة” لأعمال الهاند ميد والمفروشات، وقبل ذلك تحققت دراسيا بحصولها على ليسانس الآداب، قسم الفلسفة، فمن جامعة القاهرة.
أصيبت بشلل الأطفال بعد حمى شديدة أعقبت التطعيم، وبسبب حقنة خاطئة أصبحت قعيدة لا تفارق الكرسي المتحرك، بدأت بصناعة إكسسوارات الشعر البسيطة، حتى امتلاك جاليري متكامل يحمل اسمها.
“المجتمع يتعامل معنا وكأن مكاننا الطبيعي غرفة مظلمة حتى الموت” عبارة بدأت بها هالة حديثها، تحمل الكثير من الألم والإحساس بالرفض من قبل المجتمع، والسبب في ذلك حسب قولها أنها واجهت تنمرًا جارحًا من أقرانها في الشارع، وبعض النساء اللواتي كن يلومن والدتها على إلحاقها بالمدرسة.، منذ كانت طفلة.
وتؤكد أن والدتها كانت تزرع فيها إيمانًا راسخًا بأن إعاقتها “ميزة وليست عيبًا” وأن عليها أن تحمد الله على كل شيء، ويبدو أن هذه الوصايا كانت درعها الواقي الذي حماها من الاستسلام، فحولت عبارات السخرية والتنمر المتكرر إلى طاقة إيجابية.

لم تكن سنوات الجامعة أسهل حالًا، فهالة التي كانت تستعمل حافلات النقل العام، كثيرًا ما سمعت عبارات جارحة مثل”افسحوا الطريق لهذه العاجزة”.
ومع ذلك، أصرت على الاستمرار في التعليم حتى التخرج، بل إنها لاحقًا حين تزوجت من رجل من ذوي الإعاقة مثلها، لاحقتها هي وزوجها نظرات استغراب وسخرية من الجميع، كثيرون لم يتقبلوا فكرة أن يعيشان باستقلالية، والبعض عبر عن اندهاشه أكثر حين علم أن كلاهما يعمل.
تقول:حتى جارتي سألتني يومًا: أين تذهبين كل صباح؟ وعندما قلت لها إلى العمل، اندهشت،وقالت: وكمان بتشتغلوا!!

من أكثر المواقف إيلامًا في بدايات مشروعها، تذكر يومًا ذهبت لتسليم “طلبية” بنفسها، وكانت تستقل “سكوتر” صغير، كانت تظن أن لقاء العميلة سيكون عاديًا، لكنها فوجئت بها تنفجر ضاحكة، عندما رأت إعاقتها.
تقول هالة:”شعرت بخجل كبير وانخرطت في بكاء طويل، لم أكن قد تعلمت بعد كيف أواجه مثل هذه المواقف، رغم تعرضي للتنمر طوال حياتي”.
وتعترف هالة أن هذه الحادثة جعلتها أكثر صلابة، ورفضت التعامل مع تلك العميلة مرة أخرى، في المقابل، هناك مواقف أخرى أضاءت حياتها، مثل تكريمها من رئيس الجمهورية الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومن قنوات CBC، ومن دار الأوبرا المصرية، وبنك أبوظبي، وهي لحظات تعتبرها بمثابة تعويض إللهي عن كل ألم.
رحلة هالة العملية بدأت منذ عشر سنوات، بستين جنيهًا فقط، اقترضتها من زوجها لشراء خامات بسيطة.
تقول: شاهدت عبر الإنترنت أعمالًا لصناع أتراك في مجال إكسسوارات الشعر، فأرادت أن أجرب، صنعت أول مجموعة وبعتها كلها، ثم جائتني طلبات أخرى.
لم تتوقف هالة عند ذلك، بل توسعت تدريجيًا نحو المفروشات المنزلية، وأبدعت في إعادة تدوير مقتنيات قديمة، فتحول الإرث العائلي إلى منتجات عصرية أنيقة.
تؤكد: “كنت أبحث دائمًا عما يريده العملاء وأتابع الموضات الرائجة، وأعتمد على الإنترنت لتعلم كل جديد”.
ومع دخولها مجال التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فوجئت خلال شهر واحد فقط بوابل من الطلبات، ليكبر مشروعها بوتيرة أسرع مما توقعت بكثير، المعارض كانت نقطة تحول أخرى في مسيرتها، بدأت بمعرض صغير في جامعة القاهرة، ثم توالت مشاركاتها لتصبح عارضة دائمة في معارض وزارة الداخلية، ومعارض القوات المسلحة، وصولًا إلى معرض “ديارنا” ومعرض “تراثنا” السنوي وهو المعرض الأعز على قلبها كما تقول.

وفي كل مرة، كان الإقبال على منتجاتها يزيد، واسمها يزداد شهرة بين عملائها، وإلى جانب التصميم والتنفيذ، يشكل زوجها شريكًا أساسيًا، إذ يتولى أحيانًا رسم الأفكار على الورق بموهبة لافتة، أما صديقتها صفاء الشوربجي، فهي الرفيقة التي لم تتخلف يومًا عن حضور المعارض معها، ومساندةً لها في كل خطوة.
ومع كل هذه النجاحات، لا تزال طموحات هالة أبعد من مجرد جاليري صغير، فهى تحلم بإنشاء أكاديمية متخصصة لتعليم ذوي الإعاقة فنون الخياطة، وإعادة التدوير والتطريز، ليصبحوا مستقلين بأنفسهم، كما تسعى لافتتاح معرض كبير يضم كل تصميماتها بدلا من الاعتماد على معرض المنصات الافتراضية فقط.
دعمها في هذه المسيرة لم يأتِ فقط من أسرتها وأصدقائها، بل أيضًا من شخصيات رسمية مثل وزير الشباب والرياضة الدكتور أشرف صبحي، الذي فتح لها أبواب المشاركة في معارض عديدة ورشحها للقاء رئيس الجمهورية.
قصة هالة ليست مجرد مسار فردي للنجاح، بل درس إنساني في كيفية تحويل الألم إلى أمل، والتنمر إلى دافع.
أصيبت بشلل الأطفال بعد حمى شديدة أعقبت التطعيم، وبسبب حقنة خاطئة أصبحت قعيدة لا تفارق الكرسي المتحرك.