رغم إصابته منذ الصغر بـ«تكاسل ما وراء الشبكية»، لم يتوقف الفنان المصري إسلام أحمد محمد عن مطاردة حلمه، فبينما كان أقرانه يرون العجز، كان هو يرى في الأراجوز عالمًا من الألوان والخيال، يصنع منه طريقًا للإبداع والتعبير عن الفرح والحياة.
فى حديث خاص ل«جسور» يروي إسلام رحلته مع هذا الفن التراثي الرائع، فيقول: «كان عندي ضعف في النظر، وكنت احتاج مرافق حتى يقرا لي الورق لأن الكلام كان صغير، لكن لم أشعر فى حياتي أبدا أن هذا كان عائقا يمنعني من التعلم أو من الحلم»
ورغم الصعوبات التي واجهها في سنواته الأولى، لم يستسلم إسلام لضعف البصر، بل قرر أن يرى النور من زاوية أخرى، زاوية الفن والخيال والطفولة، وكان التلفزيون نافذته الأولى على هذا العالم الساحر، وهناك التقى للمرة الأولى بفن الأراجوز الذي سيغيّر حياته للأبد.

شرارة الحلم.. من شكوكو إلى مسرح الشمس
يستعيد إسلام بداياته قائلاً: «اكتشفت شغفي بفن الأراجوز منذ الصغر، عندما كنت أشاهد برامج الأطفال على التلفزيون وأحببت الأراجوز من الفنان المصري المبدع شكوكو الله يرحمه، وكنت أتمنى لو أصير مثله ذات يوم، تمنيت لو أستطيع تعليم الأطفال سلوكيات حميدة من خلال الأراجوز»
تأثر بالفنان شكوكو وعم صابر، وبعدد من الأساتذة الذين كان لهم فضل كبير في رحلته مثل ناصر، وسيد السويسي، وعمر الجيزاوي، ومحمد عبد الفتاح.
ومنذ نعومة أظافره كان مأخوذًا بعالم العرض والعرائس، حتى أنه كان يحلم بالمشاركة في أوبريت «الليلة الكبيرة»، الأوبريت المصري الأشهر، والعمل الذي تربت عليه أجيال من عشاق المسرح.
وبعد سنوات من الإصرار، تحقق الحلم الذى يقول عنه: «كنت منبهر بـالليلة الكبيرة، وكنت أتمنى لو أنفذها فى يوم من الأيام، والحمد لله حدث هذا بالفعل، ونفذتها مع الدكتورة سهير عبد القادر والمخرج وليد عوني»

أول لاعب أراجوز من ذوي الإعاقة
إسلام أحمد يُعد أول لاعب أراجوز من ذوي الإعاقة في الوطن العربي، بدأ رحلته رغم أن مجاله الأكاديمي بالأساس بعيدا تماما عن الفن فقد تخرّج فى كلية التجارة، مع تصميم وتحريك العرائس بإمكانات بسيطة، لكن بروح تسع الكون لوا تعرف المستحيل،
تعلم كيف يعطي لكل عروسة حياة وصوتًا وشخصية، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من عالمها
ويقول: «أول شخص آمن بموهبتي وشجعني هو ماما وبابا، أتمنى من الله أن يحفظهم لي، وأيضا أخي الذى رافقني فى كل أعمالي وشجّعني، حتى أنه هو أيضا بطل الجمهورية في ألعاب القوى ولديه موهبة كبيرة فى الرسم أيضا»

على خشبة مسرح الشمس بمصر، قدم إسلام عددًا من الأعمال المميزة مثل «نظارة المهرج العجوز» و«أحلام شتوية» و«كاندي كراش».
ويصف تجربته على هذا المسرح بأنها محطة مهمة في رحلته الفنية، إذ جمعته بعالم احترافي يقدّر موهبته ويمنحه الثقة.
كما شارك في عروض كبرى مثل «الليلة الكبيرة» و«عجيب وعجيبة»، وهناك عاش لحظات لا تُنسى وهو يقف إلى جانب نجوم كبار على خشبة المسرح، قائلاً: «الحمد لله على أن الجمهور بيتفاعل مع فنانيين من ذوي الإعاقة بشكل رائع، ويشعرون أننا بنقدم فن من القلب»

يبتسم إسلام وهو يتذكر موقفًا طريفًا لكنه محفوف بالخطر: «ذات مرة كنت أقدم أحد العروض وكنت أمسك الأمانة وهى القطعة اللي بيتكلم بيها الأراجوز، وظلت في فمي بعد العرض، وعلقت فى فمي لبعض الوقت وأستغرق إخراجها محاولات كثيرة، وأخيراً خرجت بسلام»
ورغم هذه المواقف، لا يرى في الإعاقة أو الصعوبات الجسدية حاجزًا أمام الإبداع، بل يراها جزءًا من التحدي الذي يزيده قوة.
إسلام لا يكتفي بكونه لاعب أراجوز، بل هو أيضًا عضو في فرقة «نور الحياة» بقيادة المايسترو محسن صادق، ويعتز بهذه التجربة قائلًا: «ليّا الشرف طبعًا إنّي في الفريق كورال، وأؤدي فقرة بالأراجوز والعرايس ونختم بيها الحفلة»
ويضيف بفخر: «الحمد لله فالجميع يقولون عني إني فنان شامل، وكل هذا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى وبمساعدة أهلي وتشجيعهم استطعت الجمع بين كل هذه الفنون»
فهو لا يكتفي بالأداء فقط، بل يكتب مسرحيات من تأليفه، ويطمح إلى تقديم عمل مسرحي خاص يجمع بين ذوي الإعاقة والأصحاء، تحت عنوان إنساني جميل: حب القراءة والاستفادة منها.
يتطلع إسلام إلى أن يصل بفن الأراجوز إلى العالمية، ويرى أنه يمكن أن يكون وسيلة مؤثرة لتربية الأجيال الجديدة على القيم والسلوكيات الحسنة. لذلك يعمل على فكرة برنامج تلفزيوني يستخدم فيه الأراجوز لتعديل سلوكيات الأطفال في الأماكن العامة، قائلاً:«أتمني أن أوصل صوت ذوي الإعاقة إلى العالم كله»
دعم المركز القومي لثقافة الطفل
يرى إسلام أن المركز القومي لثقافة الطفل كان له دور كبير في صقل موهبته، إذ تعلّم من خلاله فن الأراجوز عبر ورش متخصصة، وشارك في عروض وقوافل فنية داخل الحديقة الثقافية تحت إشراف أ. ولاء محمد، ويوجه شكره لرئيس المركز أ. أحمد عبد العليم على اهتمامه ودعمه المتواصل.
يقول بفخر: «كنت من أبناء قادرون باختلاف النسخة الخامسة، وهذه كان ليها تأثير فعال في إظهار صوتنا للعالم»
ويؤكد أن هذه المبادرات تعزز حضور المبدعين من ذوي الإعاقة وتمنحهم مساحة للتعبير عن أنفسهم.
وبصفته نائب رئيس مهرجان ملوك التميز والإبداع، يشرح إسلام أن الهدف من المهرجان هو دعم وتمكين الموهوبين من ذويوو الإعاقة، وتقديمهم للجمهور بصورة تليق بإمكاناتهم، لأنهم لا يقلّون إبداعًا عن أي فنان آخر، بل يمتلكون قدرًا مضاعفًا من الإصرار.
يختم الفنان الشاب حديثه برسالة صادقة: «أود أن أوجّه رسالة لكل شخص يواجه إعاقة: استمر، وخليك مع حلمك، وعافر لتحقيق كل ما تتمناه، وقول يا رب»
ويضيف: «أتمنى من الإعلام المصري والعربي إنه يعطي ذوي الإعاقة المساحة اللي يستحقوها على الشاشات والمنصات الرقمية، لأن لديهم مواهب كثيرة تستحق الظهور»
كما يوجّه كلمة للصحفيين والإعلاميين: «بشكر كل الصحفيين والإعلاميين على تعاونهم مع ذوي الإعاقة، وأتمنى إنهم دايمًا يغطّوا أخبارنا بطريقة تبرز موهبتنا وليس إعاقتنا»


.png)















































