حسام كمال الدين: «قادرون» بيت عربي لـ«صناعة الأمل» انطلق من قلب المعاناة (حوار)

حسام كمال الدين: «قادرون» بيت عربي لـ«صناعة الأمل» انطلق من قلب المعاناة (حوار)

المحرر: سحر شيبة - مصر

أكد حسام كمال الدين، مؤسس ورئيس مجلس أمناء «قادرون» للفئات الخاصة في مصر ، أن فكرة المؤسسة لم تنتج عن دراسة جدوى تقليدية، ولكن من قلب المعاناة ، حيث لمس غياب البعد الإنساني مع الأطفال، الذين كانوا يُعاملون كـ«حالات»، ما أطلق شرارة حلم إنشاء «بيت» دافئ يجمع كل الخدمات تحت سقف واحد.

وأضاف في حواره مع «جسور» أن المؤسسة شهدت محطات فارقة في عامها الأول، حولتها من نطاق محلي إلى بيت للعرب باستقبالها أطفالاً من 7 دول عربية، كما أثبتت فلسفتها في «صناعة الأمل» بتتويج أبنائها بست ميداليات في الأولمبياد الخاص المصري، وباتت راعياً ذهبياً للمؤتمر العربي الخامس لتنمية قدرات الطفل.

وأوضح أن رؤية “قادرون” الحالية تتجاوز تقديم الخدمات التأهيلية لتطمح لأن تكون النموذج الرائد في صناعة الأمل عربياً، من خلال التوسع التكنولوجي عبر تطبيق «سند»، وبناء الكوادر، والقيادة المجتمعية، مشيرا إلى دور المؤسسة كذراع تنفيذي للرؤية الرئاسية الداعمة لذوي الإعاقة في مصر، سعياً لتحقيق الدمج الحقيقي وتمكين المنظومة بأكملها.

الدكتور محمد اللقاني من فريق عمل المؤسسة أثناء تكريمه من الرئيس السيسي
في البداية، كيف جاءت فكرة تأسيس مؤسسة قادرون للفئات الخاصة؟

فكرة «مؤسسة قادرون» لم تأتِ من دراسة جدوى، بل من قلب المعاناة، على مدار سنوات من العمل في هذا المجال، لمسنا فجوة في غياب الإنسانية ورأينا أهالي تائهين بين مراكز متعددة، وأطفالًا يُعاملون كحالات وليس كأطفال، فكان الحلم هو تأسيس بيت وليس مجرد مؤسسة تجمع كل الخدمات تحت سقف واحد، ويعيد للأهل الثقة، وللطفل الشعور بالأمان والانتماء، وُلدت مؤسسة قادرون لتكون هذا البيت.

ما أبرز المحطات التي مرّت بها المؤسسة منذ تأسيسها؟

العام الأول كان مليئًا بالمحطات الفارقة التي شكلت هويتنا، حيث تجاوزنا حدود مصر واستقبلنا أطفالًا من 7 دول عربية شقيقة، مما حوّلنا من مؤسسة محلية إلى بيت للعرب، إضافة تتويج أبنائنا الأبطال بـ 6 ميداليات في الأولمبياد الخاص المصري، وهي اللحظة التي أثبتت أن فلسفتنا في صناعة الأمل تؤتي ثمارها على منصات التتويج.

وأخيرًا: تتويج دورنا العلمي بأن نكون الراعي الذهبي للمؤتمر العربي الخامس لتنمية قدرات الطفل، وهو حدث مرموق برعاية وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التربية والتعليم والمجلس القومي لذوي الإعاقة والمجلس القومي للطفولة والأمومة، هذه الرعاية تأكيدًا على التزامنا بتطوير المجال بأكمله، وليس فقط مؤسستنا.

ما الرؤية التي تحملها مؤسسة قادرون حاليًا؟

رؤيتنا هي أن نكون النموذج الرائد في صناعة الأمل في العالم العربي، لا نهدف فقط لتقديم خدمات تأهيلية، بل نطمح لأن نكون مصدرًا للمعرفة، ومنصة لبناء الكوادر، ومرجعًا تكنولوجيًا يساهم في وصول التأهيل لكل بيت عربي، والانتقال من مساعدة الطفل إلى تمكين المنظومة بأكملها.

اطفال المؤسسة أثناء مشاركتهم في في الأولمبياد الخاص
ما الأهداف الأساسية التي تسعى المؤسسة لتحقيقها في الفترة المقبلة؟

لدينا ثلاثة أهداف استراتيجية أولها التوسع التكنولوجي عبر إطلاق وتطوير تطبيق «سند Sanad»  ليصل إلى آلاف الأسر غير القادرة على الوصول لمراكز متخصصة في مصر والعالم العربي، وثانيًا بناء الكوادر وذلك من خلال إطلاق برامجنا التدريبية لإعداد جيل جديد من الأخصائيين المؤهلين علميًا وعمليًا، وأخيرا القيادة المجتمعية عبر تنظيم أول مؤتمر علمي للمؤسسة يجمع بين التربية الخاصة، الرياضة، والتكنولوجيا، لفتح آفاق جديدة للتعاون والتطوير في المجال.

في ظل التطورات التشريعية والحقوقية لذوي الإعاقة في مصر كيف ترى المؤسسة دورها في دعم عملية الدمج والإتاحة؟

لا نبالغ بالقول حين نذكر أننا نعيش في العصر الذهبي لذوي الإعاقة في مصر، بفضل الرؤية الحكيمة للرئيس عبد الفتاح السيسي واهتمامه بالفئات الخاصة، ودورنا في قادرون هو أن نكون الذراع التنفيذي لهذه الرؤية على أرض الواقع، نحن لا ننتظر التشريعات فقط، بل نعمل على صناعة نماذج عملية للدمج، وتأهيل الطفل ليكون جاهزًا للتعامل مع المجتمع، وفي نفس الوقت توعية المجتمع ليكون قادرًا على التعامل مع الطفل، من خلال إبراز قصص نجاحهم وقدراتهم.

ما طبيعة الخدمات التي تقدمها مؤسسة قادرون؟

نحن نؤمن بالنموذج الشامل، خدماتنا تغطي كل جوانب حياة الطفل من ذوي الإعاقة تحت سقف واحد، بداية من التأهيل النفسي والسلوكي عن طريق تعديل السلوك وتنمية المهارات، ويليه التأهيل الأكاديمي الذي يركّز على صعوبات التعلم الأكاديمية والنمائية مثل مشكلات الانتباه والتركيز والذاكرة، ثم التأهيل التخاطبي لتنمية مهارات التواصل واللغة ومعالجة التأخر اللغوي والتلعثم واللدغات، إضافة إلى التأهيل البدني والرياضي الذي يتضمن العلاج الطبيعي والتكامل الحسي والتدريب الرياضي الاحترافي في رياضات مثل السباحة وكرة القدم، وأخيرًا التأهيل التكنولوجي والمهني الذي يهدف إلى تعليم البرمجة والذكاء الاصطناعي للشباب وتأهيلهم لمهن المستقبل.

ما الفئات العمرية التي تخدمها المؤسسة؟

نخدم جميع الفئات العمرية، من الطفولة المبكرة حتى مرحلة الشباب، برامجنا مصممة لتتطور مع عمر الطفل، تبدأ بالتدخل المبكر وتنمية المهارات، ثم تنتقل إلى التأهيل الأكاديمي والرياضي، وتنتهي بالتأهيل المهني والتكنولوجي للشباب لمساعدتهم على الاستقلال المهني.

صورة للطفل نعمان من السودان وحسام من ليبيا أثناء جلسات التأهيل
هل يمكن أن تذكر لنا قصة نجاح مميزة من المؤسسة تُبرز أثرها الإنساني؟

في مؤسسة قادرون تتعدد قصص النجاح، وعلى سبيل المثال قصة الطفل اليمني «حسام لبيب» الذي جاء إلينا وهو طفل غير ناطق، فاقد للسمع، ويعاني من شلل دماغي بسيط، وكان قدومه لمصر مغامرة كبيرة لأسرته، في بداية تأهيله لم نركز على ما لا يستطيع عمله، بل على ما يحبه وما يقدر أن يفعل وكان الطفل شغوفًا جدًا بكرة القدم.

واليوم حسام بطلاً رياضياً حاصلاً على ميدالية في الأولمبياد الخاص، وشخصية اجتماعية يتواصل مع الجميع بلغة الإشارة، يتفاعل دائمًا ويمتلك حضورًا عاليًا وثقة بالنفس.

كيف تقيس المؤسسة نتائج التأهيل ومدى تأثيرها على حياة المستفيدين؟

القياس لدينا لا يقتصر على التقارير الأكاديمية. لدينا ثلاثة مقاييس للنجاح: المقياس المهاري وهو التطور الملموس في قدرات الطفل عبر تقييمات دورية، والمقياس السلوكي وهو ملاحظة زيادة استقلاليته وثقته بنفسه وتفاعله الاجتماعي، ومقياس السعادة وهو الأهم عندما نرى اندماج الطفل وحب التفاعل والمشاركة.

كيف ترى مؤسسة قادرون دور الإعلام في دعم قضايا ذوي الإعاقة؟

الإعلام هو «صانع للوعي» وشريك استراتيجي في التغيير، ودوره هو الانتقال من عرض قضايا الإعاقة كمأساة مثيرة للشفقة إلى قصص إلهام، وعندما يسلط الإعلام الضوء على النماذج الإيجابية، فإنه يغير نظرة المجتمع بأكمله.

أثناء توديع الطفل الليبي يامن بعد إنتهاء فترة تأهيله
هل لدى المؤسسة مبادرات جديدة أو خطط مستقبلية سيتم إطلاقها قريبًا؟

نعم، كما ذكرت، خططنا الكبرى هي تطبيق «سند Sanad» الذي سيتم إطلاقه قريبًا، وتنظيم أول مؤتمر علمي للمؤسسة، بالإضافة إلى حفل تكريم كبير لأطفالنا من ذوي الإعاقة وأمهاتهم شهر مارس 2026م. كل هذه المبادرات تهدف إلى الانتقال من التأثير المباشر إلى التأثير المجتمعي الواسع.

كيف توظف المؤسسة التكنولوجيا في برامج التأهيل والتعليم والتدريب؟

التكنولوجيا هي عصب رؤية المستقبل لدينا. نستخدمها في ثلاث مسارات: التأهيل عبر برامج وتطبيقات تفاعلية لتنمية المهارات، وفي التعليم من خلال تدريب الشباب على لغات البرمجة والذكاء الاصطناعي، وأخيرا في التواصل عبر تطبيق سند  الذي سيكون جسرًا تكنولوجيًا بيننا وبين آلاف الأسر.

ما طموحات مؤسسة قادرون خلال السنوات الخمس القادمة؟

طموحنا أن تصبح مؤسسة قادرون أكاديمية متكاملة لتأهيل الأطفال، وأكاديمية لتدريب الأخصائيين، ومركزًا بحثيًا يطور حلولاً تكنولوجية مبتكرة، نطمح أن يكون لدينا فرع في كل دولة عربية، أو على الأقل أن تصل خدماتنا لكل بيت عربي عبر التكنولوجيا.

ما الرسالة التي تودون توجيهها للمجتمع ولأولياء الأمور وللأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم؟

للمجتمع: لا تنظروا إليهم بعين العطف، بل بعين الاحترام والإيمان بقدراتهم. هم ليسوا «فئات خاصة» بل «قدرات خاصة».، ولأولياء الأمور: أنتم الأبطال الحقيقيون، لا تفقدوا الأمل أبدًا ابنكم كنز، ودورنا معًا هو اكتشافه، ولأبنائنا من ذوي الإعاقة: نصيحتي في ثلاث كلمات: آمن، تعلّم، بادر.

آمن بنفسك وبقدراتك الفريدة، أنت لست نسخة من أحد، تعلّم كل يوم شيئاً جديداً مهما كان صغيراً، فالعلم هو سلاحك، بادر وكن شجاعًا لا تخف من طلب المساعدة، ولا تخف من الفشل، أول خطوة في طريق النجاح هي الجرأة على اتخاذها.

كيف تقيّمون وضع ذوي الإعاقة في مصر حاليًا من حيث الخدمات وفرص الدمج المجتمعي؟

هناك إرادة سياسية حقيقية حولت ملف ذوي الإعاقة من الرعاية إلى التمكين، ووعلى مستوى الخدمات، هناك توسع ملحوظ، ولكن التحدي الحقيقي الآن هو توحيد معايير الجودة وضمان وصول هذه الخدمات بنفس الكفاءة لكل المناطق، أما الدمج المجتمعي، فقد قطعنا شوطًا كبيرًا في تغيير الوعي، والإعلام يلعب دورًا محوريًا في ذلك، لكننا ما زلنا في بداية الطريق لتحويل التقبل إلى شراكة مجتمعية كاملة.

ما أبرز التحديات التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة في التعليم والعمل؟

في التعليم، التحدي الأبرز هو الانتقال من دمج المكان إلى دمج المنهج، لا يكفي أن يكون الطفل موجودًا في فصل عادي، بل يجب تأهيل المعلمين وتكييف المناهج لتناسب قدراته.

أما في العمل، فالتحدي هو تغيير نظرة أصحاب العمل من توظيف ذوي الإعاقة كالتزام قانوني إلى توظيفهم كموهبة حقيقية، وهذا يتطلب تأهيلاً مهنيًا يركز على مهارات سوق العمل، وهو ما نسعى لتحقيقه في مؤسسة قادرون للفئات الخاصة.

من وجهة نظركم، ما أكثر ما تحتاجه مراكز التأهيل اليوم لتطوير أدائها وتحقيق نتائج أفضل؟

تحديات مراكز التأهيل اليوم تتمثل في: عدة أمور في مقدمتها  العقلية المتكاملة حيث يجب أن تتوقف المراكز عن العمل كجزر منعزلة تقدم خدمة واحدة كتخاطب فقط وتتحول إلى نموذج «الخدمة الشاملة» الذي يتعامل مع الطفل ككل، وكذلك الاستثمار في الكوادر لأن الأخصائي هو حجر الزاوية. يجب أن تنتقل المراكز من مجرد توظيف الخبراء إلى صناعة وتطوير كوادرها بشكل مستمر، ووأخيرا استغلال التكنولوجيا فالتأهيل لم يعد يقتصر على غرفة الجلسات، يجب على المراكز توظيف التكنولوجيا للوصول إلى الأسر في منازلهم، وتقديم الدعم المستمر، وجعل التأهيل جزءًا من الحياة اليومية.

هل ترون أن التشريعات الحالية كافية لدعم حقوق ذوي الإعاقة، أم أن هناك فجوات تحتاج إلى معالجة؟

الإطار التشريعي في مصر، وخصوصًا القانون رقم 10 لسنة 2018، يعتبر نقلة نوعية في تاريخ ذوي الإعاقة، والقوانين موجودة وقوية بالفعل، الفجوة الحقيقية لدينا ليست في النصوص بل في آليات التنفيذ والمتابعة، ودورنا كمجتمع مدني هو العمل كجسر بين النص القانوني والتطبيق العملي، من خلال رصد الفجوات واقتراح حلول لتسريع الإتاحة والتوظيف.

كيف يمكن تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والمجتمع المدني لدعم ذوي الإعاقة؟

التعاون يجب أن ينتقل من علاقة الدعم إلى الشراكة الاستراتيجية، وهذا يعني إنشاء منصات حوار دورية تجمع صناع القرار في الحكومة مع خبراء المجتمع المدني لوضع الخطط ومواجهة التحديات معًا، وأن تضع الحكومة الأطر التشريعية وتوفر الدعم الكبير، والمجتمع المدني، بمرونته، يقوم بالتنفيذ والابتكار في تقديم الخدمات، إضافة إلى بناء قاعدة بيانات وطنية موحدة، تشارك فيها الجهات الحكومية والمجتمع المدني، لضمان وصول الدعم لمستحقيه وتجنب ازدواجية الخدمات.

المقالة السابقة
الأمم المتحدة: كوريا الشمالية تقتل أطفالًا من ذوي الإعاقة داخل المستشفيات
المقالة التالية
العثور على رجل من ذوي الإعاقة الذهنية بعد اختفائه في تكساس

وسوم

أمثال الحويلة (19) إعلان عمان برلين (19) اتفاقية الإعاقة (18) الأردن (2) الاستدامة (20) التحالف الدولي للإعاقة (21) التربية الخاصة (2) التشريعات الوطنية (20) التعاون العربي (20) التعليم (4) التعليم الدامج (4) التنمية الاجتماعية (20) التنمية المستدامة (3) التوظيف الدامج (19) الدمج الاجتماعي (19) الدمج الجامعي (2) العدالة الاجتماعية (2) العقد العربي الثاني لذوي الإعاقة (19) الكويت (5) المتحف المصري الكبير (2) المجتمع المدني (19) المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (2) تكافؤ الفرص (19) تمكين (2) حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (18) حقوق الإنسان (3) حقوق ذوي الإعاقة (2) دليل الكويت للإعاقة 2025 (18) ذوو الإعاقة (10) ذوو الاحتياجات الخاصة. (18) ذوي الإعاقة (6) ذوي الهمم (4) ريادة الأعمال (19) سياسات الدمج (19) شركاء لتوظيفهم (19) قمة الدوحة 2025 (19) كود البناء (20) لغة الإشارة (2) مؤتمر الأمم المتحدة (20) مبادرة تمكين (3) مجتمع شامل (20) مدرب لغة الإشارة (21) مصر (10) منظمة الصحة العالمية (21) وزارة الشؤون الاجتماعية (2)