ليس مدهشا أن تفقد سمعك في عمر الثالثة فتضيع منك الأصوات قبل أن تحفظ أسماءها، ثم تتأزم أوضاع أسرتك المادية، في محاولات لا تتوقف للبحث عن العلاج، وأنت على أعتاب الطفولة، ورغم كل هذه التحديات، تكسب الرهان، وتصبح صوت أمة كاملة من الصم، ووجهًا مشرقًا لإفريقيا في المحافل الدولية.
قصة حقيقية بطلها داغبو ساكا، الأفريقي الذي لم يستسلم لقيود الصمم، وقرر أن يفتح نوافذ للحلم في جدران المستحيل، رحلة التحدى تشارك في بطولتها داغبو ووالديه، فقد حملا صغيرهم وألحقاه مبكرًا بمدرسة خاصة بالصم ، وهناك بدأ داغبو ساكا يتشكل من جديد، لا بصوته، بل بحضوره.
تعلم في بيئة تعليمية إيجابية، بدعم معلمين مؤمنين برسالتهم، وإدارة احتوته، لكن الأهم كان دور الأسرة حيث الحب والإلتزام والثقة التي غرسها والديه في قلبه، فصنع منها زادًا لمشواره الطويل، لم يكن يعلم أن الطريق سيزداد مشقة حين فقد والده وظيفته، وتحولت أيامه إلى صراع كبير بين البحث عن لقمة العيش واكمال دراسته، لكنه لم يستسلم وقرر العمل بجانب دراسته، فعمل حارسًا وبستانيًا وأمين مخزن، ثم ساهم في تأسيس مدرسة خاصة وعمل فيها معلمًا.

يروي داغبو حكايته لـ “جسور” قائلا “كنت أعمل طوال اليوم وأعود إلى الدراسة محاولا التنسيق بينهم كي أستطيع أن أساعد أسرتي وأنفق علي تعليمي وفي الوقت ذاته لا أقصر في دراستي، وبعد حصولي على بكالوريوس التربية بتفوق، عملت كمحاضر جامعي، فتحسنت الظروف نسبيًا” لكن في الوقت ذاته كنت أواجه تحديًا آخر لا يقل قسوة وهو غياب مترجمي لغة الإشارة في الجامعة، وفي الماجستير، وحتى في الدكتوراه، وبرغم الصعوبة البالغة التي واجهتها في دراستي، حصلت على الماجستير بتفوق ، و أنا الآن في مرحلة الدكتوراه في التربية الخاصة.
يواصل داغبو حديثه :” لم يكن العلم غايتي الوحيدة، ولذلك لم أفصل يومًا بين المعرفة والخدمة، توليت مناصب قيادية منذ طفولتي، وكان صوتي حاضرًا حتى وإن غاب عني السمع، أصبحت الأمين العام ثم رئيس فرع ولاية كوارا لجمعية الصم، ثم نائبًا لرئيس جمعية الأشخاص ذوي الإعاقة، ثم رئيسًا وطنيًا لجمعية الصم النيجيرية.

ويكمل: خلال فترة رئاستي، أعدت رسم ملامح الحركة الحقوقية للصم في بلادي، فأسست جمعية معلمي الصم، ورابطة طلاب الصم في الجامعات، ومنتدى أولياء الأمور، وجمعية نساء الصم، وأطلقت شراكات واسعة مع الإعلام والمؤسسات التعليمية والسياسية، وجعلت من مناسبة “أسبوع الصم العالمي” منصة حقيقية للتأثير والتغيير، ولم تتوقف خطواتي عند حدود نيجيريا، سافرت إلى أمريكا والسويد وتركيا وفرنسا، ممثلًا للصم، وجالبا لشراكات دولية مكّنت عشرات المترجمين للغة إشارة من التدريب في السويد، وأطلقت من خلالهم مشروعًا مشتركًا مع جامعة جالوديت ومنظمات عالمية لتأهيل المعلمين والقيادات الصم والمترجمين في مجالات التعليم والتوظيف والتمكين ، وبعيدًا عن الأضواء، أسست “رابطة المسلمين الصم في نيجيريا”، وأصبحت ممثلًا عن أفريقيا في الاتحاد العالمي للمسلمين الصم، أنظّم عبرها معسكرات سنوية في الشمال والجنوب، وبرامج قيادية للشباب، وتدريبات تربوية ودينية للطلاب الصم.

وعلى الصعيد المهني، يقول: أكملت طريقي بثبات في السلك الأكاديمي، من محاضر مساعد إلى كبير المحاضرين في كلية التربية الفيدرالية، وهي أعلى مرتبة أكاديمية، ثم رئيسًا لقسم تعليم ذوي الإعاقة السمعية، ثم مديرًا للمركز الوطني للموارد لذوي الإعاقة، وعضوًا فاعلًا في مختلف لجان الكلية ، ولا ازال حتى اليوم اقود اتحاد رياضة الصم في نيجيريا، وقد نجحت من خلال ولايتي في تحويل الرياضة من نشاط اختياري إلى حق دائم للصم، ولم أكف عن دعم الصم في الحصول علي حياة أفضل مادمت علي قيد الحياه، ولن أنسي فضل والديا، وأساتذتي الذين دعموا رحلتي، وكانوا هم مصدر إلهامي وثقتي” والفضل كله لله تعالي قبل الجميع في رحمته وعظم عوضه ولطفه الدائم وقت البلاء .