بريطانيا- جسور- سماح ممدوح حسن
رغم التقدم الذي أحرزته الأنظمة الصحية في دعم الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، لا تزال الوصمة تمثل عائقًا رئيسيًا أمام حصولهم على رعاية عادلة وشاملة، وتُعد هذه الوصمة سواء كانت صريحة أو ضمنية مصدرًا كبيرًا للتمييز وسوء الفهم الذى يؤدي إلى تدنٍ جودة الرعاية الصحية وتأخر التشخيص وحتى إلى وفيات يمكن تفاديها.
تشير دراسة نُشرت في نادي المجلة التمريضية البريطاني إلى أن كلمة “وصمة” لا تقتصر على المعتقدات السلبية الظاهرة فحسب بل تشمل أيضًا التحيّز غير الواعي لدى بعض العاملين في القطاع الصحي بما فيهم الممرضون تجاه الأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية، مما يؤثر سلبًا على العلاقة العلاجية والنتائج الصحية.
ويقدّر عدد المصابين بإعاقات ذهنية في المملكة المتحدة وحدها بحوالي 1.5 مليون شخص، إلا أن التأثير يمتد ليشمل أسرهم ومقدمي الرعاية أيضا ما يجعل الوصمة تحديًا مجتمعيًا واسع النطاق.
التاريخ مليء بالأمثلة على تهميش هذه الفئة. حيث كان يُنظر إليهم على أنهم أقل إنتاجية أو حتى غير قادرين على المشاركة المجتمعية. وعلى الرغم من تحسن التشريعات والخدمات، إلا أن آثار هذا الإقصاء التاريخي لا تزال حاضرة اليوم، حيث أظهرت دراسات أن الأفراد ذوي الإعاقات الذهنية يموتون في سن أبكر من غيرهم بمعدل 13 سنة أقل للذكور و20 سنة أقل للإناث.
وخلال جائحة كوفيد-19، تفاقمت الفجوة الصحية نتيجة تأخر الوصول إلى اللقاحات وصعوبة فهم التوجيهات الصحية مما زاد من تهميش هذه الفئة وأثر على سلامتهم النفسية والجسدية. كما وثقت تقارير طبية حالات لوفاة أطفال يعانون من إعاقات ذهنية نتيجة “التظليل التشخيصي” حيث أحيلت الأعراض الجسدية إلى الإعاقة نفسها ما أدى لتجاهلها وعدم علاجها في الوقت المناسب.
وأمام هذا الواقع، تؤكد الدراسة أن على الممرضين اتخاذ خطوات عملية لتقليص أثر الوصمة، من أهم تلك الخطوات:
- إجراء تعديلات معقولة في بيئة الرعاية لتسهيل الوصول للخدمات.
- تقديم رعاية فردية ترتكز على فهم شامل لاحتياجات المريض، خصوصًا ذوي التوحد واضطرابات الحس.
- تحسين وسائل التواصل، خاصة مع المرضى الذين يعانون من صعوبات سمعية أو بصرية.
- احترام الأطر القانونية مثل قانون القدرة العقلية البريطاني، لضمان مشاركة المريض في اتخاذ القرارات المتعلقة رعايته.
- تعزيز التعليم والتدريب المهني للممرضين الخاص حقوق واحتياجات ذوي الإعاقات الذهنية بالتحديد.
ورغم المبادرات القائمة مثل خطة NHS أو الخطة الاستراتيجية التى وضعتها هيئة الخدمات الصحية البريطانية طويلة الأمد، إلا أن الخبراء يرون أن سد فجوة التمييز يتطلب جهدًا مؤسسيًا مستدامًا، وثقافة مهنية قائمة على التعاطف، والمساءلة، والعدالة.
في الختام، تشير الدراسة إلى أن مكافحة الوصمة تبدأ من الوعي، لكن تحقيق العدالة الصحية يتطلب تغييرًا حقيقيًا في الممارسة والتفكير داخل المؤسسات الصحية. فالرعاية الشاملة ليست ترفًا بل حقٌّ إنساني أصيل لكل فرد، بغض النظر عن قدراته الذهنية.