تجربة شخصية مؤلمة خرج من رحمها مبادرة تطوعية ألهمت المجتمع، وساهمت في تمكين المعاقين، ورفعت اسم الكويت في المحافل الدولية، كانت بطلتها امرأة كويتية، هى نادية الياسين، رئيسة فريق الكويت لذوي الإعاقة.
الياسين تحكى لـ “جسور” كيف تحوّلت معاناة أم لطفل من ذوي الإعاقة الذهنية في بلد أجنبي إلى أم ملهمة، كان من أنبل ثمارها ظهور فريق الكويت لذوي الإعاقة للنور.
- كيف بدأت فكرة تأسيس “فريق الكويت لذوي الإعاقة”؟ ومتى انطلقت رسميًا؟
فكرة الفريق ليست وليدة الأمس، بل وُلدت قبل 25 عامًا، حين بدأت ألامس عن قرب التحديات التي يواجهها ابني من ذوي الإعاقة الذهنية والحركية. لكن الانطلاقة الرسمية كانت في 16 أكتوبر 2023، بعد أن تراكمت التجارب والهموم، وأصبحت الحاجة ماسة لتحويل المعاناة إلى عمل منظم يخدم جميع من يمرون بالتجربة نفسها
- ما الذي دفعكِ للانخراط في هذا المجال؟
ولادة ابني كانت الحدث الأهم، لم تكن مجرد تجربة أمومة، بل صدمة مواجهة واقع مليء بالنواقص والعقبات، لم أجد تسهيلات كافية أو بيئة تحتضنه بكرامة، من هنا بدأت رحلتي، من الألم الشخصي إلى العمل الجماعي.
- ما الأهداف التي وضعتموها منذ التأسيس؟ وهل طرأ عليها تطور؟
هدفنا كان واضحًا منذ البداية، المطالبة بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتنفيذ بنود قانون (8/2010) ومع مرور الوقت، تطورت الأهداف، وصارت أكثر شمولًا، ويمكنني القول بفخر إننا نجحنا في تحقيق نحو 75% من تلك المطالب، بحسب ما تم تطبيقه فعليًا على الأرض.
- ما أبرز الأنشطة التي قمتم بها؟ وهل هناك مبادرات لها مكانة خاصة في قلبك؟
نفذنا زيارات منتظمة إلى مجلس الأمة، والتقينا عددًا من النواب والوزراء والمحافظين والشخصيات العامة، كما حرصنا على المشاركة في كثير من الفعاليات المعنية بذوي الإعاقة، كل هذه المبادرات قريبة إلى قلبي، لأنها كانت خطوات حقيقية لنقل صوت من لا صوت له.
- كيف تقيّمين تفاعل المجتمع الكويتي ومؤسسات الدولة مع قضايا ذوي الإعاقة؟
التفاعل كان مشجعًا للغاية، الانخراط المتزايد للأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع المحلي والدولي دليل حيّ على تطور النظرة العامة ونجاح الجهود التوعوية، بل إن اسم الكويت أصبح يُرفع اليوم في محافل دولية، بفضل هذه الفئة.
- ما الإنجاز الذي تعتبرينه علامة فارقة في مشوارك الإنساني؟
تنفيذ مواد قانون (8/2010) شكّل نقلة كبيرة، لقد انتقلنا من المطالبة إلى تحقيق واقع ملموس، وهذا ما أعطى الأمل لكل الأمهات والعائلات.
- كيف تدمجين قضايا الإعاقة ضمن إطار حقوق الإنسان؟
من خلال عضويتي في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، نعمل على نقل تجربة الكويت وإنجازاتها للعالم، لا سيما ما يتعلق بدمج ذوي الإعاقة في سوق العمل والتعريف بحقوقهم العمالية، من المهم أن يُنظر إلى هذه القضايا باعتبارها حقوقًا أساسية لا امتيازات.
- ما مدى إلتزام الكويت بالاتفاقيات الدولية؟ وما الفجوات التي ما زالت موجودة؟
الكويت ملتزمة بقوة، ويتجلى ذلك في الاتفاقيات التي أبرمتها وزارة الشؤون وسواها من الجهات، لكننا نطمح إلى المزيد، وأبرز ما نفتقده اليوم هو إنشاء منتجع متكامل لذوي الإعاقة، يشمل الجوانب الصحية والطبية والتأهيلية والتعليمية والترفيهية.
- هل أنصفت التشريعات الكويتية ذوي الإعاقة؟
بشكل عام، نعم، القانون أنصفهم في التعليم والعمل والنقل، لكن لا يزال هناك تحدٍ مهم: ضرورة توفير فرص عمل تتناسب مع تخصصات ذوي الإعاقة، حتى لا يشعروا بأنهم مجرد رقم في منظومة التوظيف.
- حدثينا عن دورك في اللجنة التوجيهية لتعزيز حقوق العمال ذوي الإعاقة. ما أبرز التحديات؟
من أبرز التحديات التي نواجهها هو غياب الوظائف المتوافقة مع تخصصات المعاقين، هذا الأمر يحرمهم من إثبات ذواتهم وتحقيق طموحاتهم المهنية.
- هل هناك جهات بادرت فعليًا إلى دعم دمج ذوي الإعاقة؟
بالتأكيد. الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة كان لها دور محوري، إلى جانب وزارات التربية والصحة والداخلية، فضلاً عن شركات خاصة وفّرت دعمًا حقيقيًا لا يُستهان به.
- ما التحديات التي تواجه الفريق ككيان تطوعي؟
المفاجأة أن التحديات كانت أقل مما توقعنا، وجدنا تعاونًا كبيرًا من الجميع، ونحن لا نبحث عن تمويل مادي لأننا مكتفون ذاتيًا، لكن الدعم المعنوي الذي نحظى به هو وقودنا الحقيقي.
- وما خططكم للمستقبل؟
نطمح إلى التواصل مع فرق تطوعية خليجية وعربية، ونقل تجربة الكويت إليهم، نريد أن نكون نموذجًا يُحتذى به في هذا المضمار.
- ما الرسالة التي تحبين توجيهها للمجتمع؟
ذوو الإعاقة هم جواهر في بيوتنا، حافظوا عليهم، وكونوا سندهم، لا تتركوا الأمهات وحدهن في هذا الطريق، فكل خطوة دعم تصنع فرقًا كبيرًا في حياة إنسان.
- كيف أثّرت تجربتك على شخصيتك؟
ولادة ابني في دولة أجنبية، واختلافي الديني عن من حولي، جعلني أؤمن بأن العمل التطوعي لا تحده ديانة أو جنسية أو عمر، مَن زرع فيّ هذا الإيمان كانت ممرضة مسيحية في السبعين من عمرها، كانت تعتني بابني بحب وبدون مقابل، كنت حينها في الثلاثين، مسلمة في غربة، لكنها علّمتني أن الإنسانية أسمى من كل الفوارق.