فوق سرير متهالك بمستشفى شهداء الأقصى بقطاع غزة، يرقد الشاب محمود سعيد 26 عاما عاجزًا عن الحركة، بعد أن اخترقت ثماني رصاصات قدميه أثناء محاولته الوصول إلى مركز لتوزيع المساعدات في رفح.
كان محمود شابا يافعا بالأمس القريب، كان يعمل سائق أجرة يعيل أسرته الكبيرة، لكنه أصبح اليوم جسدًا منهكًا يعتمد على أربعة أشخاص لمساعدته علي قضاء أبسط حاجاته.
لم يكن محمود وحده ضحية أفخاخ هذه “المراكز” التي تحولت بحسب منظمات فلسطينية إلى “مصايد موت” فمنذ افتتاحها في مايو الماضي حصدت أرواح أكثر من 900 فلسطيني، وأوقعت آلاف الجرحى الذين يجدون أنفسهم في مواجهة مصير غامض داخل منظومة صحية تنهار يومًا بعد يوم.
في غياب الكراسي المتحركة والعكاكيز التى يحظرها الاحتلال الإسرائيلي تحت ذريعة “الاستخدام المزدوج”يعيش آلاف الجرحى من ذوي الإعاقة في غزة معاناة مضاعفة، جسدية ونفسية. ويقول محمود”لم أعد أستطيع المشي ولا حتى الذهاب إلى المرحاض دون مساعدة. هذه ليست حياة”.
وعلى سرير مجاور، تتلوى الطفلة جنى النصيرات 13 عام، من الألم، نجت من قصف جوي استهدف منزل جيرانها لكنها خرجت بكسور في أطرافها الأربعة وحروق في وجهها وجسدها”لا يوجد دواء، ولا مراهم،ولا حتى مسكنات” تقول الطفلة وهي تُقاوم الدموع.
تشير التقديرات إلى أن عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة في غزة ارتفع إلى نحو 90 ألفًا منذ بدء العدوان. نتيجة لحالات البتر اليومية والإصابات البليغة. ويُقدر أن 10 أطفال يُصابون يوميًا ببتر في ساق واحدة أو كلتيهما بحسب تقرير مشترك لمنظمة “أنقذوا الأطفال” ومجموعة عمل الإعاقة.
يصف الدكتور إياد الكرنز منسق مجموعة عمل الإعاقة، ما يحدث بأنه “سياسة ممنهجة من الاحتلال الإسرائيلي لتفتيت ما تبقى من الفئات الهشة” ويؤكد أن أكثر من 80% من مراكز التأهيل خرجت عن الخدمة بما فيها مستشفى”سمو الشيخ حمد للأطراف الصناعية”مما حرم آلاف المصابين من العلاج الطبيعي والتأهيل الوظيفي.
وفي مشهد أكثر قسوة يكشف الدكتور مروان الهمص مدير المستشفيات الميدانية، أن الواقع الصحي بلغ حدّ المفاضلة بين المرضى”نقرر من يمكن إنقاذه ومن نتركه لقدره بسبب انعدام الإمكانيات” يقول الهمص.
الأرقام صادمة 99% من خدمات جراحة القلب توقفت و85% من خدمات العظام غير متوفرة. بينما فقد مرضى السرطان وغسيل الكلى والأمراض المزمنة فرصة الحصول على أدويتهم الأساسية. ومع نسب إشغال تفوق 150% باتت المستشفيات تُخلي الأسرة للحالات الأكثر خطورة فقط.
تتقاطع المعاناة الطبية مع واقع اجتماعي قاسٍ، إذ يعيش معظم المصابين وذوي الإعاقة في مراكز إيواء مزدحمة أو خيام لا تُلائم احتياجاتهم الخاصة، يُحرم الأطفال من مدارسهم والشباب من أعمالهم فيما تتحول الإعاقة من تحدٍ شخصي إلى مأساة مجتمعية تُهدد جيلًا كاملًا.
ويختصر الدكتور الكرنز المأساة بقوله”الإعاقة هنا ليست نهاية الحياة فقط بل بداية لمعاناة مستمرة في ظل غياب الدولة والمساعدة الدولية وصمت العالم”.