في لحظة الاعتدال الخريفي حين يتساوى الليل والنهار، يعيش العالم مشهدًا رمزيًا يلخص بدقة تجربة آلاف الأشخاص المصابين بمتلازمة أشر، ذلك الاضطراب الوراثي النادر الذي يجمع بين فقدان السمع التدريجي، وتراجع البصر واضطراب التوازن، هذه المتلازمة التي تُعد من أبرز أسباب الإعاقة السمعية البصرية في العالم.
بمناسبة اليوم العالمي لمتلازمة أشر، تقدم الدكتورة سهير عبد الحفيظ سفير التحالف العالمي لمتلازمة أشر في تصريحات خاصة لـ جسور، شرحا مفصلا لأعراض المتلازمة أنواعها، وضرورة احتضان أصحابها ودمجهم في المجتمع.
تقول سهير عبد الحفيظ :” في أواخر سبتمبر من كل عام، يتساوى الليل والنهار للحظة قصيرة فيما يسمى بالاعتدال الخريفي ، وذلك قبل أن يبدأ الليل في الامتداد ببطء على حساب النهار ، ويواجه الأشخاص ذوو متلازمة أشر Usher syndrome تراجعا تدريجيا في حاستي السمع والبصر، كما يزحف الظلام على ضوء النهار وهذا هو أدق وصف لحالتهم.
أنواع متلازمة أشر
مضيفة :” تُصنّف متلازمة أشر إلى ثلاثة أنواع رئيسية، النوع الأول (USH1) والذي يتصف بفقد سمعي حسي عصبي شديد منذ الولادة، مع اضطراب واضح في التوازن، وظهور مبكر للتدهور البصري خلال العقد الأول من الحياة، عادةً مايشخص مبكرا لظهور العلامات السمعية والحركية بوضوح.
أما النوع الثاني (USH2)فهو أكثر الأنماط شيوعا، حيث يكون فقد السمع متوسط إلى شديد منذ الولادة ، والتوازن طبيعيا في الأغلب، ويبدأ تراجع البصر خلال مرحلة المراهقة أو ما بعدها، ويتميزالنوع الثالث (USH3) بقدرة على السمع طبيعية أو شبه طبيعية عند الولادة ثم تتدهور تدريجيًا بعد ذلك، وقد يصاحب ذلك اضطراب في التوازن وظهور متأخّر للتدهور البصري .

أضافت سفيرة الإتحاد العالمي لمتلازمة أشر :” يدعم هذا التصنيف فهم التأثير على الحياة اليومية، حيث يواجه المصابون بالـنوع الأول تحديات مبكرة في التواصل والحركة، بينما يكون الاعتماد الأكبر على الوسائل السمعية والبصرية مع تقدم العمر خيارا متاحا بدرجة أكبر في الأنواع الأخري، وفي عام 2022 اقترح باحثون إدراج نمط رابع (USH-IV) مرتبط بجين ARSG(Abadie et al., 2022) ، ويتميز بفقد بصري وسمعي متأخر دون اضطراب في التوازن.
ويعد هذا النمط نادرًا للغاية ويُحتمل أنه غير مكتشف في عدد من الحالات (Bauwens et al., 2024; Velde et al., 2022).إضافةً إلى ذلك، عُرضت بيانات في مؤتمر ARVO 2025 تشير إلى وجود ما يقارب 21 جينًا إضافيًا مرشّحًا أن يكون له دور في الحالات التي لا يمكن تفسيرها بالطفرات المعروفة (Kasiri et al., 2025).
ثلاثة حواس في مرمى المرض
ونتيجة لتأثير متلازمة أشر على السمع والبصر والتوازن فإن تشخيص هذا الاضطراب يتضمن إجراء تقييمٍ لهذه الحواس الثلاث، ويتضمن تقييم السمع اختبارات السمع القياسية التي تقيس شدة الصوت عند مختلف الترددات، أما تقييم التوازن فيشمل مخطط كهربية الرأرأة (electronystagmogram – ENG) الذي يرصد الحركات اللاإرادية للعين للدلالة على مشكلات في التوازن” (SSA, 2020; NEI, 2024) وقد يشمل تقييم العين إجراء اختبار مجال الرؤية (visual field test) لقياس الرؤية المحيطية، ومخطط كهربية الشبكية (electroretinog ERG) لتقييم الاستجابة الكهربائية للخلايا الحسَّاسة للضوء في الشبكية، بالإضافة إلى فحص مباشر للجزء الخلفي من العين (retinal examination)” (SSA, 2020; NEI, 2024).
وتشير بعض الدراسات إلى أن مخطط كهربية الشبكية ERG يقدم ميزة تشخيصية حيث يبدو غير طبيعي قبل فترة طويلة من ظهور العلامات الجسدية لموت الخلايا على شبكية العين فذكر Young et al. (1996) أن مخطط كهربية الشبكية هو الاختبار الوحيد القادر على تحديد متلازمة أشر قبل ظهور أي تغيّر ملحوظ في قاع العين.
اختبارات السمع والتوازن والبصر
وتوضح عبدالحفيظ :” أنه رغم التطورات في الفحوص الجينية، إلا أن التشخيص غالبًا ما يعتمد على اختبارات السمع والتوازن والبصر ، إلى جانب إمكانية إجراء فحوص جينية لبعض الجينات المعروفة (Pennings et al., 2004).والتشخيص المبكر بداية التدخل العلاجي والتأهيلي في الوقت المناسب لتمكين هؤلاء الأشخاص من جودة الحياة .
وتضيف :” اليوم يقدّر عدد المصابين بمتلازمة أشر عالميًا بما يقارب 400 ألف شخص وهي تقديرات تقريبية نظرًا لغياب إحصاءات دقيقة في كثير من الدول، فيما تشير الدراسات إلى أن نسبة انتشارها تتراوح بين 1 و17 حالة لكل 100,000 نسمة وهو تفاوت ناتج عن اختلاف التوزيعات الجينية ، وأدوات الفحص المستخدمة والعوامل الإقليمية (Möller et al., 2022؛ Usher Syndrome Coalition, 2025). وفي العالم العربي، تبيّن أن متلازمة أشر تمثل نحو 31% من حالات اضطرابات الشبكية الوراثية المتلازمة (Syndromic IRD) (Matalonga et al., 2023).
كل رقم من هذه الأرقام يعكس تجربة إنسانية خاصة البعض منها بحاجة للدعم والمناصرة والبعض الآخر يمثل نموذجا للإلهام والمثابرة، ومثلما تمتد ساعات الليل بعد الاعتدال الخريفي، فإن حياة هؤلاء الأشخاص قد تبدو محاطة بالظلام ، لكن التكنولوجيا والعلم يفتحان نوافذ للأمل من زراعة القوقعة والمعينات السمعية، إلى برامج قراءة الشاشة وطريقة برايل الرقمية إضافة إلى تطبيقات الهاتف المحمول المساعدة في الحركة والتواصل، ووصولًا إلى الأبحاث الواعدة في العلاج الجيني والخلايا الجذعية.
اتفاقيات دولية تعزز الدمج
وتوضح :” ومع تأكيد الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD)، على حق كل فرد في الحصول على التعليم، والرعاية الصحية، والعمل، والمشاركة المجتمعية ، يبرز الدور المهم للمؤسسات الدولية مثل التحالف الدولي لمتلازمة أشر الذي يقود حملات توعية عالمية، إلى جانب منظمات إقليمية وعربية تعمل على تعزيز الاعتراف والدمج، وهنا أذكر مؤتمر مدينة الشارقة للخدمات الإنسانية عن المتلازمات النادرة في علاقتها بالإعاقة والتي كان لمتلازمة أشر حظ وافر من بحوثها ، ومن خلاله شاركنا الشاب أحمد رضا تجربته ، والجدير بالذكر أن أحمد أكمل دراسته الجامعية في جامعة الشارقة بمنحة من ديوان الشارقة في تخصص علوم الحاسب ، وهو من النماذج الملهمة في عالمنا العربي.
وأكدت سفيرة الإتحاد العالمي لمتلازمة أشر :” في اليوم العالمي لمتلازمة أشرنجدد الالتزام بمناصرة حقوق الأشخاص ذوي المتلازمة، ودعم تمكينهم في مستقبل أكثر إشراقًا تتوازن فيه الفرص، تمامًا كما يتوازن الليل والنهار في لحظة الاعتدال الخريفي .