رغم التقدم التشريعي وزيادة الاستثمار العام الذي أحرزته إسبانيا في سياسات الدمج، لا يزال أكثر من 4.38 مليون شخص من ذوي الإعاقة يواجهون تحديات جسيمة في تحقيق الاندماج الكامل في المجتمع، وهو ما استوجب على عدة منظمات طرح مبادرات لتعديل هذا الوضع المخيف، من بينها منظمة “حلفاء من أجل الدمج” التي تسعى إلى تحويل مفهوم الإعاقة من نظرة قائمة على الشفقة إلى رؤية قائمة على الحقوق وتكافؤ الفرص.
تشير الأرقام إلى وجود فجوة كبيرة في فرص التوظيف بين الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم. فوفقًا للمعهد الوطني للإحصاء لا تتجاوز نسبة توظيف ذوي الإعاقة 27.8٪ مقارنة ب68.1٪ لدى عموم السكان. وتتراجع النسبة إلى 23.8٪ فقط في حالة ذوي الإعاقات الذهنية ما يعكس استمرار الحواجز البنيوية.
وتعلّق ألمودينا فونتيتشا رئيسة المنظمة، على هذه الفجوة بقولها: “ليست الأرقام مجرد إحصائيات بل هي أحلام مؤجلة وطاقات مهدورة في مجتمع لم ينجح بعد في دمج الجميع”
أحكام مسبقة وصور نمطية
تُظهر الدراسات أن 43٪ من الإسبان يشعرون بعدم ارتياح عند التعامل مع ذوي الإعاقة. في حين يقرّ 63٪ بأنهم يعاملون الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية وكأنهم أطفال، ما يُعد شكلاً خفيًا من أشكال التمييز. أما على صعيد الواقع العملي فيعترف 75٪ من المواطنين بأنهم لم يسبق لهم العمل إلى جانب شخص من ذوي الإعاقة.
التوظيف كجسر للدمج
لأكثر من عقدين تعمل منظمة”حلفاء من أجل الدمج” على بناء جسور عملية بين سوق العمل والفئات الأكثر هشاشة. تؤمن المنظمة أن التوظيف ليس مجرد وسيلة للعيش بل أداة فعالة لتحقيق الشمول والكرامة.فتتعاون المنظمة مع مؤسسات اجتماعية وشركات وإدارات حكومية وتُدير مركزًا للتوظيف الخاص لتسهيل انتقال الأشخاص ذوي الإعاقة إلى سوق العمل. وتتميز مشاريعها بالمرونة والقدرة على التكيّف مع حاجات كل شريك.
تجربة رائدة في المؤسسات الدينية
من أبرز مجالات عمل المنظمة شراكاتها الواسعة مع المؤسسات الدينية. ففي 116 مركزًا يخدم أكثر من 2000 مستفيد، تتعاون المنظمة مع 57 هيئة دينية لتقديم خدمات الرعاية الصحية والتنظيف والصيانة والإدارة. وبهذا النموذج لا تخلق فرص عمل فحسب، بل تساهم أيضًا في تحقيق رسائل هذه المؤسسات الروحية والاجتماعية.
يقول كارلوس بويربا مدير هذا القطاع:”نحن لا نقدم خدمات فقط بل نشارك فعليًا في تحقيق رسالة إنسانية واجتماعية تستحقها كل نفس بشرية”
الدمج يثري بيئة العمل
تشير تجربة المنظمة إلى أن الشركات التي تحتضن التنوع تشهد تحسّنًا في بيئة العمل وتطورًا في الإبداع والإنتاجية والتواصل. فدمج الأشخاص ذوي الإعاقة لا يفيد الأفراد وحدهم بل يُحدث نقلة إيجابية في ثقافة المؤسسات.
الشيخوخة والإعاقة المستقبل المشترك
بحلول عام 2050 سيكون أكثر من 30٪ من سكان إسبانيا فوق سن 65 عامًا ما يعني تزايدًا متسارعًا في الإعاقات المرتبطة بالعمر. إذ تُظهر البيانات أن 70٪ ممن تجاوزوا الـ85 عامًا يعانون من نوع من الإعاقة مقابل 20٪ فقط لمن هم في سن 65.
تؤكد فونتيتشا:”الإعاقة ليست قضية تخص الآخرين فقط. مع التقدّم في العمر سنجد أنفسنا جميعًا في مواجهة واقع جديد يتطلب تخطيطًا جماعيًا واعيًا”
دعوة إلى ميثاق اجتماعي شامل
تشدد المنظمة على أن بناء مجتمع شامل لا يمكن أن يُترك فقط للمؤسسات العامة أو المنظمات المتخصصة بل يتطلب شراكة مجتمعية واسعة تشمل التعليم وسوق العمل والإعلام والثقافة. ولابد أن يكون الوصول الشامل و”التصميم للجميع” معيارًا أساسيًا في جميع مجالات التخطيط والخدمات.
يثبت عمل منظمة حلفاء من أجل الدمج أن التغيير ممكن عندما تتوفر الرؤية والالتزام. والتحدي المقبل لا يكمن فقط في تحسين فرص العمل بل في إعادة تشكيل النظرة المجتمعية للإعاقة، من منطق الشفقة أو الاستثناء، إلى منطق الاعتراف بالحقوق والتنوع كقيمة والمساواة كقاعدة لا استثناء فيها.