لطالما أزعجني الحكم المسبق على ظاهر الأمور وإنزاله منزلة الحق المحتوم! فتتوارد إلى ذهني هذه العبارة لشخصية John Coffey في فيلم The Green Mile.
أجدها كلما تجاوز كثيرون حدود العقلانية وأطلقوا جماح الظن وخيالاته التآمرية على من حولهم!! لا لشيء سوى ملء فراغ يومهم بما يشعرهم بسلامة الذات وحسن تصرفها وكمال وجودها ونزاهتها مقارنة بمن وُضعوا تحت مجهر مراقبتهم، فلا جهد يُطلب لعمل أو لعلم يوصلهم لهذا المقام!
فقط شيء من اجتهاد في التقليل من شأن الآخرين لتحاط الذات بهالة من التقدير.. وما هي إلا فقاعة وهم وقشرة من صدأ.
لماذا لا نمد النظر إلى ما هو أبعد من الالتقاطة الأولى؟!
لماذا لا نتجاوز ما نسمع فنُمهله أو نُهمِله إلى أن يتبيّن لنا الحق؟!
متى سنتوقف عن المنافسة على سبق الترصّد والنشر؟!
كم من علاقات قُطعت حبالها بكلمة نُقلت على عجل ولم تكتمل حروفها بعد!
كم من أناس تم إقصاؤهم من حياة اجتماعية ما بسبب اعتلاء أحد المُقرِضين منصّة تشويه وقذفهم بما ليس فيهم!
وما كانت لهم هذه المنصة إلا لعلمهم بأن قرع الطبول أعلى من أنين الناي.
قالت لي صديقة: بعد مضي أكثر من عام في وظيفتي الجديدة والتي عانيت فيها كثيرًا، جاءتني إحدى الزميلات تخبرني مبتسمة بأنهن لم يجدن مني إلا حسن التعامل وكريم الخلق، بعد أن وضعنني موضع اختبار وعلى مسافة من حذر، بسبب كلمة “لا أعلم” من زميلة عمل سابقة كجواب ألقته باكفهرار على سؤالهن “إن كنت طيبة المعشر” فور علمهن بخبر حصولي على الوظيفة!
التجنّي آفة تتغذى على جمال الأشياء الصغيرة من حولها، وتغذّيها الأنا التي لا يُشبعها إلا التفرد والانفراد، وحُسن الظن وإلتماس العذر هو نور البصيرة الذي يقودنا لجوانب الحقيقة الأخرى بكامل حواسنا العقلانية.
ولعل ما رأيناه أول مرة لم يكن وجه الحقيقة الكامل، إنما الوجه الذي سُلّط عليه الضوء لينتقد، والوجه الآخر بعيد كـوجه القمر البعيد، الذي لم تتعرض له عدساتنا اليومية ولم تعرّه أشعة الشمس أمامنا.
ظل كما هو، كما رآه رواد “أبولو 8” في عام 1968، يحمل التفاصيل الحقيقية لأصله وكينونة ما يحتويه، بمنأى عن المناظير والتنظير والموجات الراديوية الأرضية…
نفلة الحربش
عضو الجمعية النسائية الثقافية الكويتية