إفريقيا :جسور ـ حقوق
لا تزال الدول النامية تخطو بقدمين ثقيلتين في العديد من الملفات، والتي من أبرزها ملف حقوق ذوي الإعاقة، الذي يحتاج إلى نظرة شاملة ودقيقة حتى تنال هذه الفئة حقوقها من العناية والاهتمام.
فتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن ما يقدر بنحو مليار شخص -15% من سكان العالم- يعانون من إعاقة، 80% منهم يعيشون في البلدان النامية.
ومع ذلك، فقد ظل ذوو الإعاقة غائبين بوضوح عن السياسات الرامية إلى تحقيق التنمية والرفاهية، خاصةً في بلدان الجنوب.
لم تتضمن الأهداف الإنمائية للألفية -التي استمرت من عام 2000 إلى عام 2015- أي هدف محدد لذوي الإعاقة.
في عام 2006، اعتمدت الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، لكنها استغرقت وقتًا طويلًا حتى نوفمبر 2016 لإطلاق أول أدوات مساعدة رسمية تتعلق بالإعاقة، وكانت تستهدف أفريقيا.
وشابت الجهود المبذولة لفهم مدى الإعاقة والتدخلات المطلوبة، صعوبات في جمع البيانات. ففي عام 2006، وقت اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة للإعاقة، اعتقدت منظمة الصحة العالمية أن 500 مليون شخص فقط في العالم يعانون من مشكلات صحية معوِّقة -وتم تحديد نصف هذا العدد بعد ذلك بست سنوات في تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2011 حول الإعاقة.
تتفاقم المشكلة من جَرَّاء حقيقة أن البلدان تقيس الإعاقة بطرق مختلفة. بينما تأخذ بعض الدول الأمراض الجسدية فقط في الاعتبار، في حين تضم دولٌ أخرى الصحةَ النفسية في بياناتها.
وتختلف تعريفات الإعاقة، على سبيل المثال، يؤثر العمى وضعف البصر على حوالي 253 مليون شخص، وفقًا للاتحاد العالمي للمكفوفين، ولكن هذا الرقم يتراوح من الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الجزئية الذين يمكنهم أداء مجموعة متنوعة من الوظائف، إلى العمى التام.
وبتوفير الدعم الجيد، يمكن للمكفوفين أن يعيشوا حياة مستقلة ومُرضية، لكن من دون تدريبٍ كافٍ على العيش المستقل، قد يعانون الاعتماد على الغير مدى الحياة.
وفي حين تحظى الإعاقات المعروفة والمرئية -مثل فقدان الأطراف أو العمى- باهتمام كبير، فإن الأمراض المزمنة -مثل أمراض القلب والسكري والأمراض النفسية- تمثل أكثر من 66% من جميع سنوات العمر المقضية مع العجز في البلدان النامية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. سنوات العمر المقضية مع العجز هي مقياس يأخذ في الاعتبار أن بعض الإعاقات تبدأ في مراحل مختلفة من الحياة، وبعضها -مثل المرض النفسي- قد لا يكون دائمًا.
يعاني واحد من كل أربعة أشخاص حالة صحية نفسية في مرحلةٍ ما من حياته، ويعاني 450 مليون شخص حالاتٍ نفسيةً في الوقت الحالي، ولكن تقل احتمالية تشخيص هذه الحالات في البلدان النامية، حيث لا يزال الوعي بشأن الأمراض الشائعة -مثل الاكتئاب- منخفضًا.
وفي محاولة لزيادة التوضيح، بدأت منظمة الصحة العالمية في جمع بيانات أكثر تفصيلًا. ووفقًا لآخر تقديراتها، يعاني حوالي 3% من سكان العالم -ما بين 110 ملايين و190 مليون بالغ- من ’إعاقة حادة‘، وهذا يعني أنهم لا يستطيعون إدارة أنشطة الحياة اليومية دون مساعدة.
الوصم والفقر
ومع ذلك، يعوق الوصم جمع البيانات المتعلقة بالإعاقة أيضًا. من المحتمل ألا يتم الإبلاغ عن مشكلات الصحة النفسية على نحوٍ خاص، إذ يحاول المصابون وعائلاتهم إخفاء ما يرون أنه مصيبة مخزية. هذا صحيح تحديدًا في المناطق التي تنتشر فيها معتقدات السحر. ويصعب إخفاء الإعاقات الجسدية، لكنها لا تزال تعتبر شائنة في العديد من البلدان بجميع أنحاء العالم.
هذا من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض ثابت في معدلات الإبلاغ عن الإعاقة. في الهند، على سبيل المثال، قال 2.2% فقط من السكان في تعداد البلاد لعام 2011 إنهم يعانون إعاقة. تتباين المعدلات المُبلّغ عنها تبايُنًا كبيرًا بين الولايات، لكن المسح الصحي العالمي يقدر انتشار الإعاقة بين البالغين في الهند بنحو 25%.
من المحتمل أن تزيد هذه الثغرات -التي تشوب البيانات- من سوء إدارة الإعاقات، التي لها تأثير مباشر على التنمية. ووفقًا للتقرير الرئيسي المعني بالإعاقة والتنمية للأمم المتحدة لعام 2018 (الصفحة 100)، فإن أكثر من ربع المراهقين ذوي الإعاقة لا يذهبون إلى المدارس الثانوية، مما يقلل فرص عملهم، ويؤدي في كثير من الأحيان إلى الفقر مدى الحياة. ويتفاقم هذا الوضع بسبب ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية والمعيشة، لا سيما في البلدان التي تكافح من أجل توفير المساعدة الاجتماعية والرفاهية. ويقدر تقرير منظمة الصحة العالمية أن التعرُّض للإعاقة في بلدٍ نامٍ يزيد من تكاليف معيشة الشخص بحوالي 9% إلى 14%.
المسائل الجنسانية
ثمة جانب جنساني أيضًا. فقد بيّنت دراسة نُشرت في الكتاب السنوي لحقوق الأفارقة ذوي الإعاقة عام 2016 أنه من المحتمل تعرُّض الإناث في جميع أنحاء القارة الأفريقية للوأد عند الولادة إذا كانت لديهن علامات إعاقة واضحة. وكشف تقرير صادر عن حكومة المملكة المتحدة حول وصمة عار الإعاقة، المفاهيم الاجتماعية بين سكان شرق أفريقيا، حيث تفتقر النساء والفتيات ذوات الإعاقة إلى التمكين الجنسي، ولا يبلغن عن الاعتداء الجنسي، مما يجعلهن عرضةً للخطر.
أظهرت بيانات من الهند أن ما يقدر بنحو 25% من النساء ذوات الإعاقة تعرضن للاغتصاب، في حين أن جميعهن تقريبًا تعرَّض للعنف البدني. وفي الوقت نفسه، كشف التقرير الرئيسي المعني بالإعاقة للأمم المتحدة لعام 2018 أن النساء ذوات الإعاقة أقل عرضةً لتلقِّي الرعاية قبل الولادة وبعدها، مما يعرض أطفالهن أيضًا لخطر إعاقة أكبر.
السياسات والإجراءات
على الرغم من قتامة الصورة، هناك مؤشرات على التغيير. ففي أفريقيا، وضعت العديد من البلدان -تتضمن موزمبيق وإثيوبيا- خطط عمل وطنية لتلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة. بالإضافة إلى ذلك، بدأت جنوب أفريقيا وزامبيا جهودًا رسمية لمكافحة مشكلات الصحة النفسية، في حين أدرجت العديد من البلدان الأفريقية الأخرى، في خططها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، مساعدةً أفضل للأشخاص ذوي الإعاقة.
تحدد الأدوات المساعدة التي تتعلق بالإعاقة في أفريقيا لعام 2016 إستراتيجيات ملموسة لمحاربة الوصم والتمييز. وتشمل هذه الأدوات إجراءات داخل المجتمعات، فضلًا عن إصلاح القوانين والسياسات. علاوةً على ذلك، تدعو الأدوات المساعدة إلى جمع البيانات على نحو أفضل، وإلى مزيد من التعاون بين البلدان المجاورة التي تعاني من المشكلات نفسها، وإلى تبادل أوسع للمعلومات فيما بين بلدان الجنوب.
وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن معدلات الإعاقة في جميع أنحاء العالم في ازدياد، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى شيخوخة السكان وزيادة الأمراض المزمنة. ولكن في الوقت الحاضر، مع استمرار وجود الثغرات التي تشوب البيانات، يظل العبء الحقيقي للإعاقة في البلدان النامية غير واضح.