يحذر تقرير جديد ضمن سلسلة “لا مستقبل للباحثة أنيا هايس-فون دير ليبه من خطابات تروّج لمستقبل خالٍ من الإعاقات، يُبنى على تهميش تجارب ذوي الإعاقة وعلى سياسات تشبه تحسين النسل في ثوب حديث.
ففي ظل التقدم التكنولوجي المتسارع تتصاعد تحذيرات من خطابات “التكنو-حلولية” التي تروّج لمستقبل خالٍ من الإعاقات وتربط التحضر والتقدم بالقضاء على الإعاقة بشكل نهائي، لكن ماذا يعني ذلك لملايين الأشخاص من ذوي الإعاقة حول العالم؟
تناولت الباحثة أنيا هايس-فون دير ليبه مفهوم “المحو” بوصفه آلية خفية تُقصي تجارب وآراء وأحلام ذوي الإعاقة من السرديات المستقبلية. وتشير إلى أن هذا الإقصاء لا يشمل فقط الخطاب الطبي أو التكنولوجي، بل يمتد ليتقاطع مع أشكال قمع أخرى كالتمييز العنصري والجنسي والطبقي.
التكنو-إعاقوية: هل التكنولوجيا تُلغينا بدلًا من أن تحتضننا؟
يعرّف كتاب “ضد التكنو-إعاقوية: إعادة التفكير فيمن يحتاج إلى تحسين” 2023 للباحثة آشلي شو مصطلح “التكنو-إعاقوية” بأنه الإيمان بأن التكنولوجيا قادرة ويجب أن تُستخدم للقضاء على الإعاقة. وهو توجه يُبنى على تغييب تام لأصوات ذوي الإعاقة.
وتشير شو إلى عناوين إعلامية مثل”التقنية التي تمنح الناس القدرة على مواجهة الإعاقةBBC” بوصفها تمثيلًا لهذا الخطاب الإقصائي الذي يُظهر الإعاقة كعائق يجب تجاوزها بدلًا من فهمها كتنوع إنساني يحتاج إلى احتواء.
تكنولوجيا تفصل لا تُضم
تنتقد هايس-فون دير ليبه تركيز الصناعة التكنولوجية على “اختراعات مذهلة” مثل الكراسي المتحركة التي تصعد السلالم، بينما تتجاهل حلولًا أبسط وأكثر شمولًا كتصميم بيئات عمرانية تراعي احتياجات الجميع. وغالبًا ما تكون هذه الابتكارات باهظة وغير عملية لغالبية ذوي الإعاقة.
وتضيف أن الرؤية الشائعة للإعاقة ك”حالة يجب التغلب عليها” تُعزز التحيز المجتمعي وتُضعف الاعتراف بخبرة ذوي الإعاقة في التعامل مع التكنولوجيا بطرق إبداعية ومبتكرة، لكنها رؤية غير معترف بها رسميًا لأنها لا تصدر عن “خبراء”.
مخاوف من تكرار تاريخ الإقصاء
يربط المقال بين التاريخ الدموي لتحسين النسل وبرامج التعقيم القسري، وبين ما يُطرح اليوم من تقنيات حديثة ك”كريسبر” لتحرير الجينات واختيار الأجنة “الخالية من الإعاقة” بوصفها استمرارًا لخطابات محو وجود ذوي الإعاقة بدلًا من دعمهم.
وتؤكد الكاتبة أن هذه المخاوف ليست نظرية أو فئوية بل ترتبط بواقع تُهمَّش فيه تصورات مستقبلية متنوعة ضمن أنظمة تكنولوجية واقتصادية تُسيطر عليها الشركات الكبرى والحكومات.
“لا شيء عنا دوننا” أصوات تستحق أن تُصغي لها التكنولوجيا
يركّز كتاب شو على أهمية الاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة كخبراء في حياتهم وتجاربهم. وتستلهم الكاتبة من ناشطين ومفكرين مثل لياه لاكشمي بييبزنا-ساماراسينا وسُناورا تايلور، لتوسيع منظور دراسات الإعاقة وربطه بقضايا بيئية واجتماعية أوسع.
وتدعو شو إلى التخلي عن رؤية المستقبل كخط إنتاج تقني مُجرّد والتحوّل إلى نماذج مستقبلية قائمة على الرعاية الجماعية والبنى التحتية الشاملة والسياسات التي تضمن أن “ننجو جميعًا”
دعوة لإعادة تخيل المستقبل
تحذر هايس-فون دير ليبه في ختام تقريرها من الانجراف وراء وعود التكنولوجيا بمعزل عن تجارب البشر المعنيين بها. وتكتب”إن سماع قصص الآخرين من وجهات نظرهم أمر جوهري لتخيل مستقل مختلف وعادل”.
وبينما يبدو الحديث عن مستقبل شامل للجميع حلمًا طوباويًا فإن الكاتبة ترى أن “زعزعة السرديات المهيمنة” أصبح ضرورة عاجلة في عصر تتقاطع فيه الأزمات البيئية والاجتماعية والاقتصادية لتبني مستقبل لا يقصي أحدًا لا جسديًا ولا فكريًا ولا بشريًا.