يعانى أبناء شعبنا الفلسطيني أشد المعاناة بفعل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ شهر أكتوبر عام 2023 وحتى الآن، ما أدى إلى استشهاد أكثر من ستين ألف فلسطيني وإصابة أكثر من مائة وخمسين وفقدان أكثر من خمسة عشر ألف مواطنا، معظمهم تحت الأنقاض، إلى جانب تدمير كافة مقومات الحياة في قطاع غزة مما جعل القطاع منطقة غير صالحة للحياة بهدف التهجير، بالإضافة لحالة المجاعة والعطش بفعل منع إسرائيل دخول المساعدات والبضائع والوقود ما جعل الشعب الفلسطيني في القطاع يعانى أشد المعاناة في توفير لقمة عيش للبقاء على قيد الحياة.
وأكثر الفئات معاناة هم المعاقين الذين يعانون من الإعاقات الحركية والذهنية، وبحسب مؤسسة ماب كان هناك نحو 58 ألف شخص من ذوي الإعاقة يعيشون في غزة قبل أكتوبر 2023، وكانوا يواجهون العديد من التحديات المضنية والتي سلبتهم كثيراً من كرامتهم وجودة حياتهم، حيث شملت سنواتٍ من الحصار والقيود الإسرائيلية بالإضافة إلى التهميش والوصمة التي يربطها المجتمع بالإعاقة.
هذه الأعداد تضاعفت الآن بفعل القصف المتواصل الذي يؤدي إلى حالات بتر في الأطراف، وفقدان البصر والسمع والنطق وغيرها من الإصابات، بالإضافة إلى المشكلات النفسية واعاقات ذهنية، بفعل حالة الرعب التي يعيشها أهل غزة نتيجة حجم الغارات المكثف والقصف الوحشي وتدمير البيوت والخيام فوق رؤس ساكنيها واضطرار مئات الآلاف للنزوح من بيوتهم وقراهم ومدنهم ومخيماتهم لشهور عديدة في ظل ظروف إنسانية معقدة وبالغة الصعوبة، مما يؤثر على الحالة النفسية والذهنية والعقلية للمئات من المواطنين.
ويكشف الدكتور إياد الكرنز، منسق قطاع الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية بقطاع غزة، أن العدوان على غزة تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أعداد ذوي الإعاقة، حيث أُضيف نحو 32 ألف شخص إلى القائمة، بزيادة تقدَّر بـ 52% مقارنة بالأعداد المسجّلة قبل الحرب، والتي بلغت آنذاك 58 ألف حالة، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وأوضح الكرُنز “هذه الأرقام لا تزال غير نهائية، إذ يُسجَّل يوميا من 10 إلى 12 حالة جديدة، غالبيتهم من الأطفال مبتوري الأطراف”.
وبحسب مؤسسة ماب فإن التقديرات الحالية تشيرُ إلى أن رُبع المصابين خلال الحرب على غزة بحاجة إعادة تأهيل، حيث يعاني أكثر من 2,000 منهم من إصابات في النخاع الشوكي والدماغ، بالإضافة إلى 15 ألفا آخرين تسببت الهجمات الإسرائيلية في إعاقتهم.
ومن المتوقع أن ترتفع هذه الأرقام مع استمرار الحرب على الفلسطينيين في غزة.
وصرّحت ليزا دوتِن، مديرة التمويل والشراكات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بأن عدد الأطفال مبتوري الأطراف في غزة هو الأعلى في التاريخ الحديث.
غالبًا ما يكون الأشخاص ذوو الإعاقة أكثر عرضة لآثار الحروب، كما يواجهون صعوبة أكبر في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والأماكن الآمنة؛ بما يجعلهم أكثر عرضة للقتل والإصابات الخطيرة والاعتداء الجنسي وغير ذلك من أشكال الضرر والاعتداءات.
ويواجه الأشخاص ذوي الإعاقة صعوبات في تحديد وقت الهجمات والفرار بعيداً عن أماكنها منذ بدأ الجيش الإسرائيلي هجماته على غزة في أكتوبر 2023، وينطبق ذلك بشكل خاص على الأشخاص ذوي الإعاقات الجسدية أو من يستخدمون أجهزة مساعِدة مثل الكراسي المتحركة حيث واجهوا صعوبةً أكبر في التنقل من المباني التي تعرضت للقصف وعبر الطرق المتضررة.
أما بالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقات البصرية أو السمعية فقد واجهوا صعوبةً أكبر في تحديد أماكن القصف أو الأماكن التي أرادوا الفرار إليها.
وتقول مؤسسة ماب ” لقد أبلغنا أشخاص من ذوي الإعاقة في مختلف أنحاء قطاع غزة أنهم يتوقعون كونهم أول الضحايا أو الضحايا المحتملين للهجمات العسكرية الإسرائيلية، وذلك بسبب المعيقات لقدرتهم على الإخلاء أو الفرار، وكان لذلك أثر كبير على الصحة النفسية للعديد من الأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشار الدكتور إياد الكرنز أن الأشخاص ذوي الإعاقة – سواء الجدد أو القدامى- يواجهون ظروفا بالغة القسوة، إذ يعانون من نقص حاد في الغذاء والمكملات الغذائية والفيتامينات والبروتينات، ويفتقدون “الأدوية والحفاظات والأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية”.
ولفت إلى أن حالة المجاعة السائدة في قطاع غزة حاليا، تفاقم من حالة المعاقين الذين يحتاجون إلى تغذية سليمة، مشيرا إلى أن فئة المعاقين “ذهنيا” يطلبون الطعام بإستمرار لأن أدمغتهم لا تضبط مسألة الإحساس بالشبع، مما يُشكل عبئا نفسيا وماديا متزايدا على أسرهم.
أمام كل ذلك يحتاج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة إلى اهتمام بالغ من أجل توفير كل احتياجاتهم لأنهم من الفئات الأكثر معاناة وهشاشة خلال العدوان على غزة.